مأزق مالي نهاية الشهر ورواتب الموظفين على المحك ؟!

الأجواء التفاؤلية بإمكان ولادة الحكومة لم تحجب طرح تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، من باب إقرار الموازنة العامة وضرورة تسيير شؤون البلاد والعباد بعد مضي ثمانية أشهر على التكليف. وعلى رغم عدم حماسة الرئاسة الأولى لهذا الطرح، أعاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحديث عن وجوب أن تجتمع الحكومة لترسل مشروع الموازنة إلى المجلس النيابي، وفق ما نقل عنه النواب خلال لقاء الأربعاء .

فريق رئيس الجمهورية يعتبر أنّ الذهاب لخيار تفعيل عمل الحكومة يعني التسليم بالعجز عن تأليف حكومة جديدة، والتعايش مع الواقع الحالي، وغياب الدافع لتأليف الحكومة طالما أنّ الحكومة المستقيلة تلتئم وتسيّر شؤون البلد، الأمر الذي من شأنه أن يفرمل مساعي التأليف ويجعل المعرقلين يتمسّكون بمواقفهم .

كتلة “الجمهورية القوية” كانت من أوائل المطالبين بتفعيل عمل الحكومة من خلال نقل مفهوم “تشريع الضرورة” إلى العمل الحكومي، مطلب “القوات” بقي يتيمًا ، إلى أنّ استحضر الرئيس نبيه بري اجتهادًا منسيًّا منذ خمسين عامًا، يعود لعام 1969 أيام حكومة الرئيس رشيد كرامي عندما كانت في مرحلة تصريف الأعمال، بعدما تعذر تشكيل حكومة جديدة لمدة سبعة أشهر، وقضى الإجتهاد بإقرار الموازنة العامة في مرحلة تصريف الأعمال. واعتبر بري أنّ الموازنة مسألة تحتّم ضرورة فرض هذا الإجتهاد، كاشفًا أمام النواب في لقاء الأربعاء قبل حوالي ثلاثة أسابيع أنّه أجرى اتصالًا بالرئيس المكلف سعد الحريري، وأبلغه الاستعداد للسير في هذا الإجتهاد.

إقرار الموازنة خاضع لمهل دستورية، وكان يُفترض بالحكومة أن تحيل مشروع الموازنة إلى المجلس النيابي قبل 15 تشرين الأول، على أن يُقرها المجلس قبل نهاية العقد العادي، الأمر الذي لم يحصل بحيث أنّ الحكومة لم تقرّ مشروع قانون الموازنة قبل أن تصبح مستقيلة ، والمهل الدستورية تمّ تخطيها .

وفق المادة 86 من الدستور “إذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة… وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الإثني عشرية “. وهذا يعني أنّ صلاحية وزارة المال بالإنفاق والجباية تنتهي في 31 كانون الثاني أيّ بعد أيام قليلة .

وزير المال علي حسن خليل كان قدّ أكّد مرارًا أنّه لن يخالف الدستور والقوانين ولن يصرف قرشاً واحداً من دون قوننة ذلك. وفي ظلّ التفتيش عن سند قانوني للإنفاق يتمّ البحث في خيارات قليلة، منها اقتراح قانون معجّل مكرر بصرف النظر عن إمكان تأليف الحكومة في المدى القريب ، باعتبار أنّ عامل الوقت أصبح ضاغطًا ، وتأليف الحكومة سيليه إعداد البيان الوزاري ونيل الثقة .والخيار الثاني إقرار الموازنة وعدم ارتكاب مخالفات دستورية بتجاوز المهل.

فهل يجوز لحكومة تصريف الأعمال أن تلتئم لتقرّ مشروع الموازنة وترسله إلى المجلس النيابي ؟

وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود يميّز بين مطلب تفعيل حكومة تصريف الأعمال وبين إلتئامها لأجل لإقرار الموازنة ، ويرى أنّ فتح الباب على تفعيل عمل الحكومة يجسّد إشارةً سلبيةً جدًا باتجاه عدم تشكيل حكومة “ولا يمكن الذهاب إلى اجتماعات الضرورة في مجلس الوزراء إسوةً بتشريع الضرورة في الجلسات التشريعية “.

بارود بالمقابل يرى أنّ الدستور لا يمنع من إلتئام مجلس الوزراء ببند وحيد، هو إقرار مشروع الموازنة وإرساله إلى مجلس النواب “تشريع الضرورة لم يكن أكثر إلحاحًا من مشروع الموازنة . ومجلس الوزراء صورة مصغّرة عن مجلس النواب، ولا أرى في السياسة أيّ عائق أمام ذلك فيما لو حصل التوافق. أمّا دستوريًا فترتبط الموازنة بمهل وهي ملحّة ووجب إقرارها، كما أنّ الترخيص بالجباية والإنفاق جرى وفق القاعدة الإثني عشرية على مدى سنوات، وهذه مخالفة بحدّ ذاتها، كون هذه القاعدة لا تصلح إلّا لشهر واحد وفقط إذا تأخر إقرار الموازنة لما بعد 31 كانون أول ، بحيث يتمّ تسيير الأمور المالية لمدّة شهر واحد وفق هذه القاعدة “.

وبالحديث عن النواحي الدستورية لفت بارود إلى وجوب إقرار قطع حساب لكلّ السنوات السابقة، لافتًا إلى أنّ التجاذبات السياسية حالت دون ذلك ، لا سيّما وأنّه مرّ حوالي عشرون عامًا لا نعرف خلالها ماذا أدخلنا من واردات وماذا أنفقنا ، بحيث لم يوافق ممثلو الشعب أيّ النواب على هذه الحسابات النهائية “.

بالمحصّلة التجاذبات السياسية بين أهل الحكم لا سيّما بين الرئاستين الأولى والثانية تعطّل الدستور، فينتقي كلّ فريق ما يناسبه من مواده ويغفل الأخرى، أّمّا ما يسمى بالمصلحة الوطنية العليا فأضحت معطفًا لشتاء الوطنية، ويبدو أنّه شتاء قارس .

إلاّ أن اللقاء الذي عقد في القصر الجمهوري اليوم، برئاسة رئيس الجمهورية وحضور وزير المال والنائب ابراهيم كنعان قد يعيد الأمل حول المخارج القانونية لتأمين رواتب الموظفين في نهاية هذا الشهر.