تسابق موفدين خارجيين لبيروت.. مساعدات سعودية وتشدد مصري يقابلان العروض الايرانية!

تشهد بيروت هذه الأيام تسابقا من موفدين خارجيين على زيارتها، في موسم انطلاقة الحكومة الجديدة، التي تترقب الدول المعنية بالوضع اللبناني مدى تأثرها بالنفوذ الإيراني، بعد أن تعطل تأليفها لمدة 8 أشهر وأسبوع بسبب مطالب طرحها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي تصنفه هذه الدول حليفا رئيسيا للحزب، على رغم التباينات التي ظهرت بينهما في الحصص الوزارية.

وواقع الأمر أن طهران تسابق في كل مرة يحصل تطور مهم على الساحة اللبنانية، الدول العربية في تحرك ديبلوماسيتها نحو بيروت، وفي القوطبة على أي تحرك أميركي أو غربي في اتجاه العاصمة اللبنانية. هكذا فعلت مطلع تشرين الثاني عام 2016 بعد 9 أيام على انتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية، فكان ظريف أول الزوار للتهنئة بإنهاء الفراغ الرئاسي، خصوصا أنه جاء بعد تعطيل انتخابات الرئاسة سنة و5 أشهر ونيف نتيجة إصرار “حزب الله” على أن يكون عون رئيساً.

وبالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العاصمة اللبنانية أمس واليوم، وصل الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، من أجل لقاء كبار المسؤولين، فيما يتوقع أن يكون الموفد العربي التالي مساء غد الثلثاء، المستشار في الديوان الملكي السعودي، المتابع بعمق الوضع اللبناني، نزار العلولا، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين بدوره. كما تزور لبنان مفوضة الأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أواخر الشهر الجاري.

وكان الموفدون الأميركيون سبقوا هؤلاء: وكيل وزير الخارجية السفير ديفيد هيل (قبل ولادة الحكومة)، نائب وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلنغسلي، وبينهما قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل، على أن يزور لبنان قريبا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

وسبق لبعض الأوساط أن توقع أن يغط المسؤولون الإيرانيون في بيروت فور مغادرة هيل لها، خصوصا أنه جاء في سياق الحملة الأميركية لحشد الدول لمؤتمر بولندا الهادف إلى زيادة الضغوط على إيران وإلى قيام ما يشبه “النيتو” العربي ضدها في الشرق الأوسط، إلا أن ظريف اختار مناسبة تأليف الحكومة للحضور.

وتقول مصادر سياسية بارزة متابعة للتحركات الخارجية في اتجاه لبنان بعد ولادة الحكومة ل”الحياة”، إنه إذا كانت زيارة ظريف تتم نتيجة قناعة إيرانية بوجوب استثمار تمكن حليفها “حزب الله” من ممارسة نفوذ كبير في عملية تأليف الحكومة لأنه استطاع مباشرة ومداورة، تأخير تأليفها حتى يحقق مطالبه بتوزير حلفائه، فمن باب أولى أن تسعى الدول العربية إلى قطع الطريق على محاولة طهران الاندفاع نحو تحقيق مصالحها على الساحة اللبنانية وتكريس نفوذها.

وتعتبر المصادر البارزة أن الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله سارع بعد إنجاز الحكومة إلى اقتراح الحصول من إيران على أنظمة دفاع جوي للجيش اللبناني، وبحل إيراني لأزمة الكهرباء، وبالحصول على أدوية من طهران لخفض أسعارها التي تعاني منها فاتورة الدواء اللبناني، في سياق محاولة البناء على ميزان القوى المائل لمصلحته وحلفائه في التركيبة الحكومية، على رغم علمه المسبق بصعوبة الاستجابة اللبنانية لأفكار من هذا النوع، في وقت تتعرض طهران لعقوبات أميركية متشددة إزاء تجارتها واستثماراتها الخارجية. وتضيف المصادر أن طهران تسعى إلى كسب ود فريق في السلطة اللبنانية، وربما لهذا السبب جرى تسريب نبأ بأن ظريف قد يحمل معه أخبارا إيجابية حول إمكان الإفراج عن الموقوف اللبناني لديها نزار زكا. وفي رأي هذه المصادر أن طهران تسعى لاستخدام القوة الناعمة في زمن حاجة لبنان إلى المساعدات الخارجية، لمعالجة تعثر اقتصاده، وتسعى إلى الظهور بمظهر إيجابي عند اللبنانيين، للإيحاء بأن دورها لا يستند فقط إلى القوة العسكرية التي يتمتع بها “حزب الله”. وهي قد ترمي أيضا إلى فتح الخطوط التجارية مع لبنان من دولة إلى دولة، لعلها تستفيد من العلاقة “الشرعية” مع النظام المصرفي فيه، للالتفاف على القيود المالية عليها.

العروض الإيرانية وصعوبة الاستجابة.

إلا هذه المصادر تلفت “الحياة” إلى جملة ملاحظات حول مجيء ظريف، منها:

1- أن المسؤولين الإيرانيين ونصر الله يدركون سلفا أن لبنان لن يستجيب لعروضهم، لأن قادته غير مستعدين للتفريط بالمساعدات العسكرية الأميركية، التي يعتمد عليها الجيش. فواشنطن سبق أن اعترضت على استعدادات موسكو لتزويد الجيش بأسلحة، وأبلغت من يعنيهم الأمر في بيروت بأنهم أحرار في استحضار السلاح من مصدر روسي لكن عليهم أن يعتبروا أن السلاح الأميركي سيتوقف بالكامل، فكيف إذا كان الأمر مع طهران؟

ويذكّر أحد السياسيين اللبنانيين بتصريحات الرئيس السابق ميشال سليمان عن أن الجيش في عهده لم يتلقَ أي عرض إيراني جدي، على رغم الوعود من خلال التصريحات، فيما أكد غير مصدر أن الجانب الإيراني لم يقدم في أي مرة أي هبة عسكرية للجيش، بل أنه كان يتوقع مقابلا ماليا للسلاح الذي يعرضه. ويضيف: “لو كان الأمر يتخطى عروض العلاقات العامة، فمن باب أولى أن تنقل طهران سلاح الدفاع الجوي الذي وعد به نصر الله إلى دمشق، لمواجهة الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قوات “الحرس الثوري” في محيط دمشق وغيرها من المناطق السورية. ويرى السياسي إياه أن هذا وسوابق أخرى، ما دفع القادة اللبنانيين إلى التصرف إزاء هذه العروض على أنها استعراضية وغير جدية.

وفي مجال المساعدة الإيرانية حول الكهرباء، فإن المصادر البارزة تلفت إلى أن أمام الحكومة اللبنانية، قبل البحث بالعروض الإيرانية، تحدي الاستجابة للعروض الغربية المقدمة إليها في إطار “سيدر” بعرض لحل أزمة الطاقة من طريق شركة “جنرال إلكتريك” قدمته خلال مؤتمر باريس في نيسان (أبريل) العام الماضي، على أن ينجز بناء معامل الإنتاج خلال سنة وبأسعار أقل بكثير مما هو مطروح في مشاريع عقود حالية، فضلا عن عرض شركة “سيمنز” بمواصفات جيدة من ناحية السعر والتوقيت. وهي عروض ستشكل اختبارا للحكومة اللبنانية حول مدى سيرها بالمشاريع البعيدة من العمولات المرتفعة والنفعية لبعض المتنفذين.

مؤتمر بولندا… والدور الروسي

2- تسجل المصادر السياسية البارزة أن توقيت زيارة ظريف يسبق ب3 أيام انعقاد مؤتمر بولندا الذي تنظمه الإدارة الأميركية الأربعاء المقبل، لمواجهة دور إيران في الإقليم. وهي بذلك تبعث رسالة من بيروت، التي امتنعت عن المشاركة في المؤتمر حين دعاها هيل إليه، نظرا إلى حساسية الأمر في العلاقات الداخلية ، وللحفاظ على مبدأ النأي بالنفس، بأن لها اليد الطولى في لبنان. وتريد التأكيد أنه امتداد لنفوذها في العراق وسورية، في مواجهة سعي واشنطن إلى تقويض دورها الإقليمي.

3 – أن الحضور الإيراني إثر ولادة الحكومة، يأتي بعد أن بذلت موسكو جهودا في اتصالات جرت مرتين على الأقل خلال الشهرين الماضيين، مع طهران، كي تطلب من حليفها “حزب الله” أن يسهل قيام الحكومة في لبنان. وفي رأي المصادر السياسية البارزة أن طهران سلفت موسكو جهودا بذلتها في الأيام التي سبقت إنجاز الحكومة مع حلفائها النواب السنة ومع “التيار الوطني الحر” حول تمثيل هؤلاء، وتستفيد من الفرصة لتأكيد ثقل تأثيرها في لبنان، في مقابل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة ضد وجودها في سورية التي تغض روسيا النظر عنها.

أما عن الحضور العربي والغربي، فإن المصادر السياسية البارزة تشير إلى أنه ليس صدفة أن عواصم عربية أجلت إدلاء بدلوها في شأن انتهاء أزمة تشكيل الحكومة، في انتظار تلمس ردود الفعل على إعلانها وبيانها الوزاري، ودور “حزب الله” فيها.

الدور السعودي والتشدد المصري

وفي رأي المصادر السياسية البارزة أنه بقدر ما يشكل الدور المؤثر الذي يلعبه “حزب الله” في الحكومة والذي سعى نصر الله إلى نفيه بالقول أن غير صحيح أنها حكومة الحزب، فإن المطلوب من الدول العربية المعنية أن تكثف حضورها اللبناني في مواجهة الحضور الإيراني، لإحداث توازن فعلي في علاقات لبنان الإقليمية والحؤول دون رجحان كفة المحور الإقليمي الخصم لها، ودعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وأوضحت المصادر إياها ل”الحياة” أن بعض الدول العربية ومنها الخليجية بات أكثر اقتناعا خلال السنتين الأخيرتين بضرورة تكثيف الحضور العربي في البلد، وبأن ترك لبنان لنفوذ الحزب وطهران لا يفعل سوى تعميق دور الأخيرة في البلد الصغير، لا سيما أن اعتراض قوى سياسية حال دون إلحاق البلد بالمحور الذي يواليه الحزب. وهذا التوجه يأتي نتيجة إلحاح هذه القوى على العواصم العربية الفاعلة بأن سياسة ترك لبنان تعطي مفعولا عكسيا.

وتقول مصادر وزارية ل”الحياة” إن الوعود السعودية بمساعدة لبنان اقتصاديا من المؤكد أنها مختلفة عن الوعود الإيرانية. فالرياض سبق أن أعلنت في مؤتمر “سيدر” عن تفعيل مبلغ بليون دولار أميركي لاستثماره في مشاريع منتجة للبنانز وتذكر المصادر الوزارية أيضا بالتصريحات التي سبق للسفير في بيروت وليد البخاري أن أدلى بها مؤكدا أن هناك أكثر من 20 مشروعا جاهزة للتوقيع عليها من أجل تنفيذها في لبنان، تنتظر تشكيل الحكومة. وهي مشاريع تتطلب انعقاد اللجنة المشتركة السعودية اللبنانية التي يرأسها رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الجانب السعودي. وهي أمور لا بد من أن تكون مدار بحث خلال زيارة العلولا.

وينتهي المصدر الوزاري إلى القول إن التوجه العربي بعدم ترك الساحة اللبنانية لطهران يتناول بطبيعة الحال الشق السياسي المتعلق بعلاقات لبنان الإقليمية المستقبلية، وبفرملة اندفاع حلفاء إيران والنظام السوري للانفتاح على الأخير، في انتظار قرار الجامعة العربية. ويشير المصدر إلى أنه ينبغي النظر إلى زيارة أبو الغيط، ليس فقط من زاوية دور الجامعة ، بل يمكن وصفه بالعين المصرية على لبنان. ويدعو إلى الأخذ في الحسبان تأثير القاهرة التقليدي على الأمانة العامة للجامعة، في وقت بات المسؤولون المصريون أكثر تشددا حيال سياسات طهران الإقليمية، ولا سيما في دمشق وبيروت.

الحياة