جديد القروض السكنية: الدولة تتفرج والمصارف تتريث والأسعار تحترق

المواطن الذي استبشر خيراً بإعادة مصرف لبنان تخصيص رزمة للقروض السكنية المدعومة، اصطدم بحقيقة أنّ القروض لا زالت متوقفة. أمّا الدولة بمجلسها النيابي وحكومتها فلا زالت في موقع المتفرج، وكأنّ الأزمة لا تعنيها وتخصّ ثلاث جهات مؤسسة الإسكان، المصارف والمواطن. علما أنّ المجلس النيابي كان قد زفّ في أيلول الماضي بشرى إلى البنانيين بإقراره قانون فتح إعتماد بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية لدعم القروض السكنية لذوي الدخل المحدود، وفي الجلسة نفسها تعهدت الحكومة السابقة بشخص رئيسها سعد الحريري أمام المجلس وأمام الشعب أنّها ستضع خلال ستة أشهر سياسة إسكانية. فلا الـ 100 مليار مُنحت ولا السياسة الإسكانية صيغت.

قصدنا رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان ومديرها العام روني لحود، وعلى رغم الخيبات المتكررة لم يستسلم، إلتقيناه في المجلس النيابي يلبي دعوات اللجان النيابية للبحث في الأزمة، ولو أنّه مدرك أنّها تتخطى حدود لجنة نيابية، لتطال دولة عاجزة عن الإلتزام بقانون أقرته للدعم المؤقت،فكيف الحال بمسؤوليتها في السياسة الإسكانية. لحود قال: “نحن في المؤسسة نستقبل الطلبات، ولكن في الوقت نفسه نتمنى على المواطن مراجعة المصرف، ليعرف إذا ما كان مستعدًا لمنحه القرض السكني المدعوم”.

يضيف لحود: “المبلغ المخصص للقروض السكنية المدعومة في تعميم مصرف لبنان هو 300 مليار، وهو مبلغ خُصص لكافة القروض السكنية ولكل المؤسسات المعنية، وهي نسبة لا تكفي حاجة السوق. حيث أنّ حجم الطلبات في السوق اللبناني عشرة آلاف طلب سنوياً، ارتفع هذا الحجم بسبب الطلبات المتراكمة من العام الماضي بنسبة تفوق 1200 طلب، وهذه الطلبات القديمة تحتاج وحدها الى 300 مليار”.

لحود الذي يتابع ملف القروض السكنية مع المصارف يشير إلى أنّ المصارف متريثة ومن باشر بالقروض كان ذلك بمبالغ قليلة. ويعيد الأسباب إلى “عدم قبولها بنسبة الفائدة المحددة بـ 5.5 %، وعندما نضيف إليها نسبة 4 % أي قيمة الدعم تبقى الفائدة أقل من النسبة المعمول بها في المصارف اليوم وهي حوالي 11.9%. كما أنّ التعميم ألزم المصارف أن تبيع مصرف لبنان دولارات بقيمة القرض الممنوح من قبلها بالليرة اللبنانية”.

المصارف لا زالت تدرس التعميم، بحسب ما أكّد رئيس قسم الدراسات والأبحاث الإقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل لا سيّما وأنّ التعميم يتضمن آليةً جديدة لدعم القروض السكنية.

أما سؤالنا هل المصارف ستباشر بمنح القروض المدعومة أم لا ؟ فيحيله غبريل إلى الدولة، معتبرًا أنّ السؤال يجب أن نوجّهه إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية. وسأل بدره” أين السياسة الإسكانية التي وعدت بها الحكومة ؟ وأين الـ 100 مليار ليرة الي أقرها مجلس النواب لدعم القروض لذوي الدخل المحدود؟ وهل كان وعدًا انتخابيًا ؟ أليس دعم القروض السكنية وتطوير سياسة إسكانية من مسؤولية الدولة؟”.

غبريل استرجع الفترة التي سبقت الإنتخابات النيابية ” بحيث وعد وزيرا المال والشؤون الإجتماعية في نيسان الماضي بدعم القروض السكنية بقيمة ألف مليار ليرة. ثم قدّم عدد من النواب اقتراحات قوانين لدعم القروض السكنية بطريقة فولكلورية باسم كتلهم النيابية وذلك قبل الإنتخابات. وفي أيلول صوّت مجلس النواب على 100 مليار ليرة لدعم القروض السكنية، ونحن نسأل أين أصبحت كل هذه الوعود النيابية والوزارية ؟”.

غبريل لفت إلى أنّ القطاع المصرفي دعم القروض السكنية من أمواله الخاصة عام 2018 ” فعندما استنفدت السلّة التحفيزية الأولى والثانية من القروض المدعومة، التي أطلقها مصرف لبنان في بداية العام الماضي جرّاء سلسلة الرتب والرواتب، أوجد الأمر طلبات استحصلت على الموافقة وأصبحت عالقة نتيجة استنفاذ الأموال، واتفق عندها مصرف لبنان والمصارف التجارية أن تأخذ المصارف على عاتقها دعم الفوائد على هذه القروض من أموالها الخاصة، على أن يستكمل مصرف لبنان الدعم في 2019. من هنا كان هناك حوالي 475 مليار ليرة لهذه القروض المدعومة من المصرف المركزي، والشّق المتبقي أي 300 مليار ليرة هي قروض مدعومة جديدة في 2019″.

وفق مقاربة غبريل، السياسية الإسكانية يجب أن تتضمن الإيجار التملكي، خيار الإيجار، وتطوير الأسواق المالية، وليس ان يكون الإعتماد بالكامل على المصارف التجارية ومصرف لبنان، اللذين تحمّلا منذ العام 2009 مسؤولية هي في الواقع من صلب دور السلطتين التشريعية والتنفيذية. وبالتالي كان هناك فترة سماح طويلة للحكومة لتقوم بدورها، ولكنها لم تفعل شئيًا، واستفاقوا اليوم ليسألوا لماذا دعم مصرف لبنان بـ 300 مليار فقط، ولماذا تتمهل المصارف”.

على رغم هذه الصورة القاتمة والمصير الغامض للقروض المدعومة هناك مؤشر إيجابي وهو انخفاض أسعار الشقق، وبالتالي من يمتلك القدرة الشرائية أو من يحصل على قرض سيكون أمام فرصة حقيقية لشراء شقّة بسعر منخفض بنسبة 30 % على الأقل. وبنظر غبريل تحوّل السوق العقاري منذ 2014 من سوق لصالح البائع الى سوق لصالح المشتري بالكامل ،والمشتري الجدي يمكن له اليوم وفي ظل الأزمة أن يفاوض على السعر، وذلك بحسب مكان المشروع وحجم الشقة وعمرها وبحسب حاجة المطوّر للبيع.

نوال الأشقر – لبنان 24