عشرات المؤسسات أقفلت وصرفت عمّالها.. القطاع التجاري في دائرة الخطر!

تحت وطأة التراجع الحاد في حركة الأسواق التجارية وتدهور الوضع الإقتصادي، اضطر عشرات التجار إلى إقفال محالهم ومؤسساتهم التجارية في مناطق معروفة بنشاطها التجاري في العاصمة بيروت كالحمرا ومار الياس وبربور والأشرفية وغيرهم. هذا الوضع أشارت إليه مرارًا جمعية تجار بيروت، التي أعلنت مؤخرًا عن إقفال حوالي مئتي محل تجاري في بيروت، عازية السبب إلى الأزمة الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين ونقص في السيولة. وحذرت الجمعية من أنّ القطاع التجاري أصبح في دائرة الخطر، وأنّ استمرار الوضع الراهن يهدّد باقي المؤسسات والمحال التجارية في بيروت.

رئيس المجلس الإقتصادي الإجتماعي شارل عربيد أكّد أنّ إقفال المؤسسات والمحال التجارية أضحى أمرًا واقعًا، بصرف النظر عن الارقام، موضحًا أنّه يأتي نتيجة تردي الواقع الإستهلاكي في البلد، وتراجع في حركة بيع التجزئة والإستهلاك بشكل عام، وهي مسألة مرتبطة بالإنكماش الإقتصادي الحاصل .

عربيد وحول تأثير الإجراءات التقشفية في الموازنة على الحركة التجارية التي تشهد تراجعًا، لم ينف ارتداداتها السلبية على حال الركود والإنكماش الحاصل قائلًا “تدخل هنا السياسة والرؤية المالية المطلوبة في مشروع الموازنة، وفي غيرها من القرارات، التي من خلالها نجد طرقًا لتحفيز الإستهلاك وخلق نمو، ومن ناحية ثانية هناك حكم الضرورة الذي يلزمنا بإتخاذ اجراءات في الموازنة بحكم التراكم السلبي القديم”.

قدرة التجّار على الصمود تتضاءل لا سيّما وأن الأزمة الإقتصادية تستفحل، ووفق مقاربة عربيد مواجهة هذا الواقع تكون بسلّة متكاملة من الإجراءات التي ترسم ملامح السياسة الإقتصادية والمالية للحكومة، وتحفّز الإستثمار في البنى التحتية وبكل ما له علاقة بالتصدير.

إضافة إلى التردي الإقتصادي، شكّلت المنافسة الأجنبية غير المشروعة من قبل التجار السوريين وعمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية عاملًا سلبيًا زاد وضع التاجر اللبناني سوءًا، وفي هذا السياق شدّد عربيد على وجوب الاهتمام باليد العاملة اللبنانية، وتطبيق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء “يجب تحفيز الإستثمار ولكن وفق القوانين التي ترعى الإستثمار بالنسبة لأيّ مستثمر أكان سوريًا أو يحمل أيّ جنسية أخرى، منها التصريح والعمل بشكل قانوني وشرعي ونظامي. ووجود محال ومؤسسات أجنبية خارج إطار القوانين يستوجب تنفيذ اجراءات سريعة وحازمة من قبل السلطة لإيقاف هذا النوع من المنافسة، والتركيز على الاهتمام باليد العامل اللبنانية”.

عضو لجنة تجار بيروت جاك حكيّم لفت بدوره إلى اتساع ظاهرة إقفال المحال التجارية “بحيث لا يكاد يمرّ أسبوع من دون إقفال محل تجاري، ويكفي المرور بالأسواق لملاحظة ذلك، بحيث نرى محال أُقفلت وعلّقت على واجهاتها يافطات كتب عليها المحل للإستثمار أو البيع، وهذا مؤشّر خطير”.

وعن طبيعة المحال التي تقفل أوضح حكيّم أنّ معظمها محال لبيع الألبسة والأدوات المنزلية والكهربائية، لا سّيما وأنّها تتأثر سلبًا بالبضائع التي تدخل إلى لبنان عن طريق التهريب. أمّا المطاعم فهي قادرة على الصمود أكثر من خلال قدرتها على تخفيض الأسعار”.

إقفال المؤسسات لا ينعكس فقط على أصحابها بل يطال العمال وأصحاب العقارات المستأجرة وقطاعات أخرى تتأثر سلبًا ، وفي هذا السياق أشار حكيّم إلى أنّ هذه الظاهرة تبدو ككرة الثلج التي تكبر وتؤدي إلى ازدياد نسب العاطلين عن العمل، كون الشركات تلجأ في ظل هذه الأوضاع الصعبة إلى تقليل عدد الموظفين لتتمكن من الإستمرار، وهناك شركات تعرض على الموظفين فرصًا شهرية غير مدفوعة لتقلل من المصاريف”.

المنافسة الأجنبية والأعداد المليونية للنازحين لا شك ألقت بثقلها على مجمل الوضع الإقتصادي، وخلقت مزاحمة للتجار اللبناني من قبل سوريين عمدوا إلى فتح محال تجارية وشكّلوا منافسة غير شرعية، والمعالجة بنظر حكيّم تكون باتخاذ قرارات جريئة في الحكومة بضبط الفساد والهدر ، “وهي كثيرة منها على سبيل المثال ايجارات المباني الحكومية وبدل السفرات وارقام التلفونات المدفوعة من الدولة والتي تتجاوز خمسة الآف خط خلوي”.

الأزمة الإقتصادية تلقي بتداعياتها الكارثية على القطاع التجاري، ولكنّ المعالجة كما يؤكّد المعنيون بالشأن التجاري ليست مستحيلة، بل تحتاج إلى رؤية حكومية إنقاذية، تبدأ بضبط الهدر والتهريب ولا تقف عند حدود استرجاع أموال الأملاك البحرية، بدل بتّ الشائعات عن افلاس مالي لتمرير سياسة تقشفية تقف عند جيوب المواطنين.