هل يتموضع «العسكريون» فيسقُط الحراك؟



بالأمل الأخير تسلّح أمس العسكريون فكان القصر الجمهوري وجهتهم . وفي المعلومات، أن توجيهات وتعليمات خاصّة أُعطيت للحرس الجمهوري، تقضي بعدم التصادم مع العسكريين القدامى وفاءً لوحدة العسكر ورفقة السلاح، على أن تؤمّن لهم فسحة محدّدة قريبة في محيط قصر بعبدا للتجمّع وتنفيذ اعتصامهم السلمي . في السياق، تتجّه الأنظار اليوم الى مكوّنات الحراك العسكري، وتبرز الى الواجهة تساؤلات مشروعة ومنطقيّة، أهمّها: هل يتماسك هذا الحراك بغية تحقيق المطلب الجامع، أم يُعمل على شرذمته وإقحامه مثل باقي الملفّات بالأفخاخ السياسية؟

إذا أردنا تقييم الحراك نلحظ بدايته التي تشكّلت من المكوّنات الأربعة التالية:
1- رابطة قدامى القوّات المسلّحة، يرأسها اللواء عثمان عثمان، نائبه اللواء شوقي المصري، وهي الهيئة الشرعية الوحيدة التي يجوز لها عملياً التحرّك، لأنّها تشكّلت بموجب قانون، ولها مخصّصات من الدولة. إلّا أنّ هذه الرابطة لا تؤيّد النزول الى الشارع، وترفضه كخيار وتفضّل مفاوضة الرؤساء، وقد اتّبعت هذا المسار.
2- هيئة المحاربين القدامى، وهي هيئة تألّفت تلقائيّاً، ويرأسها العميد مارون خريش. والملفت انقسام عمداء بارزين عن هذه الهيئة، وهم سامي الرماح، حسن حسن والعميد أندريه بومعشر.
3- العميد جورج نادر، وهو يشكّل حالة مستقلّة لا يرتبط معه أحد، وهو أيضاً غير مرتبط بأيّ جهة.
4- عدد من الضبّاط الذين يُشاركون في الحراك، يضمّون مؤيّدين، ويُشكّلون أيضاً حالة اعتراضية مثل العمداء: محمود طبيخ، العميد منير عقل، والعميد علي عواد.
5- الضبّاط النواب الستة الداعمين للحراك.

تلك هي المكوّنات التي تألّف منها الحراك في بدايته، الى أن اقترحت قيام ما يُسمّى بـ«خلية التنسيق»، على أن تجتمع هذه الخليّة في خيمة نصبها العميد محمود طبيخ للتداول بالمستجدّات واتخاذ القرارات من هناك.

بالتمعّن في مشكلات هذا الحراك، يتّضح أنّه غير منظّم هرمياً، أي ليس هناك هرميّة لأيّ مجموعة من مكوّناته، باستثناء رابطة قدامى القوات المسلحة، التي يمكن لرئيسها التكلّم باسمها قانوناً، بحجّة صفتها التمثيلية الشرعية، التي ترفض التحرّك والنزول الى الشارع، لا بل تفضّل مفاوضة الرؤساء الثلاثة، ميشال عون، سعد الحريري ونبيه بري، وتراهن على دعم قائد الجيش جوزف عون «الغائب الحاضر» وفق تعبير البعض منهم.

تكمن مشكلات هذه الهيئة باحتمال عدم الالتزام بالقرارات المتّخذة، لأنّها في الأصل قرارات غير مُلزمِة، ولا تضع تصوّراً مستقبلياً لحراكها. فما هي البنود المحسومة، والأخرى القابلة للتفاوض، وما هي حدود المفاوضة، وإمكانية التنازل أو التراجع؟

كلّ هذه الأمور غير المحدّدة ليست منظّمة، ويتمّ تحجيم الحراك العسكري بالتجمّع في الساحة وداخل الخيمة، للتداول والمباحثات فقط.

وبالعودة الى مشهد محاصرة السراي، واختيار العميد سامي الرماح للدخول اليها، تشهد أيضاً السراي الدخول الفجائي للعميد منير عقل، للمطالبة مع الرماح بحقوق العسكريين، وطرح البعض سؤالاً عن الجهة التي كلّفتهم بالمفاوضة باسم العسكريين، لاسيما في ما يتعلّق بالنقاط التي طرحوها. كذلك الأمر بالنسبة الى التصاريح التي أدليا بها في الخارج، والتي أربكت البعض من رفاقهما، كما هالهما بعد خروجهما من السراي، تصريح وزير الدفاع الياس بوصعب في الخارج، الذي كان مغايراً للاتفاق خلال اجتماعهما به في الداخل.

بدوره كان العميد مارون خريش، أبرز المستفيدين من سوء إدارة ملفّ التفاوض الذي بادر به العميد سامي الرماح، لاسيما بعد انقسامه عن هيئة المحاربين القدامى التي يرأسها خريش. إذ تأكّد من فشل العميدين الرماح وعقل في المفاوضات بعد تصريح وزير الدفاع الياس بوصعب.

خريش، الذي عاجل بإصدار بيان باسم الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى، شكر وزير الدفاع الذي «أفشل تحرّك العسكريين مرّتين، ومرّر ما هو مُخطّط وأكثر، بالرغم من وعوده...»، متأملاً من ضباط القيادة المدافعة عن حقوق الجيش برمته، بمن فيهم المتقاعدون، ومعلناً عن المعركة القادمة في مجلس النواب. خريش الذي تقصّد عدم تسمية الضباط لعدم رغبته بالصدام معهم، مرّر لهم في المقابل رسالة من خلال هذا البيان، تدعو بشكل غير مباشر الى الاتّعاظ من نتائج المبادرات المتسرّعة.

لكنّ الحراك ما لبث أن أصدر بعدها بياناً موحّداً بعد اجتماع موسّع لخلية الأزمة، أشاد بالإنجاز الذي يُحقّقه الاعتصام، ومؤكّداً رفضه القاطع المساس بالحقوق وبالاستدانة قبل وقف مزاريب الهدر، ومنبّهاً كافة المصطادين في الماء العكر من عدم الرهان على شرذمة الحراك العسكري بكافة أطيافه، من أفراد ورتباء وضبّاط، وفي مقدمهم رابطة قدامى القوى المسلحة والضباط النواب الستة.

لكن، وبالرغم من البيان الموحّد الصادر، تعلو الأصوات المعترضة وتتكاثر، بعضها بدأت أمس شمالاً، وهي غير راضٍية عن النزول «غير الموجّه» الى الشارع . ومثالاً على الأمر، اعترض بعض الضبّاط والعناصر على خطوة حرق الدواليب، كما اعترض البعض الآخر، لاسيما من الضباط السنّة على اقتحام «السراي»، وأبدوا استياءهم من مسار الحراك، رافضين التهجّم الذي يتبعه. كذلك الأمر بالنسبة الى الضباط الشيعة غير الراضين عن خطوة النزول الى المطار، التي تمّ اقتراحها ورُفضت.

ويبقى السؤال عن اليد الخفية التي استطاعت نصب خيمة لحراك العسكريين في ساحة رياض الصلح، دون أن تلقى اعتراضاً أو مواجهةً من أيّ جهة أقلّه حتى الساعة.

أمّا بالنسبة الى التحرّك باتجاه القصر الجمهوري، فلم تُحدّد الخطة المتبعة للتعبئة. لذلك مرّ التحرّك هادئاً مسالماً، بعد التوصيات التي أُعطيت للحرس الجمهوري بعدم الاشتباك مع رفاق السلاح.

ويبقى التحرّك المرتقب للعسكريين نهار الأربعاء في محيط المجلس النيابي، الذي لم تتّضح حتى الساعة خطة التعبئة المخصّصة له. في حين أفادت معلومات عن بعض الاقتراحات لحوالى 30 من الضبّاط المجتمعين، بتشكيل لجان لوجستية ميدانية وإعلامية، لاسيما بعد تجربة تسكير مداخل «السراي»، واكتشاف أنّ مداخلها على سبيل المثال، تتجاوز العشرة، ويحتاج محاصرة تلك المداخل الى أكثر من مئة عسكري. وعلى سبيل المثال أيضاً، وفي وقت اقتصرت مشاركة العناصر على عدد غير كافٍ للقيام بالمهمة، فضلاً عن مشاركة تلك العناصر في الاعتصام لمدّة زمنية محدّدة لا تتجاوز الساعتين، يرفض عدد كبير منهم محاصرة السراي لأسباب مذهبيّة معروفة...

كما لفت الضبّاط المجتمعون، وفقاً للمعلومات، الى أنّ المسيرة طويلة وصعبة، وتنتظر منهم وحدة موقف وقراراً لمواجهة موازنة، قد تستغرق سنة لإقرارها في مجلس النواب، وسط مخاوف البعض من الضبّاط الذين يخشون من غوغائية الحراك، لأنّه يفتقد بنظرهم الى التخطيط، والى منهجية عمل مغايرة للواقع، في ظلّ غياب خطوة «تقدير المواقف» التي يتبعها عناصر الجيش عادةً قبل أي خطوة ميدانية. كذلك يتخوّف هؤلاء الضباط من جهلهم لمن هو خصمهم في هذه المعركة، ومدى إمكاناته، في وقت هم مؤمنون بالقضية المطلبية، ومقتنعون بضرورة عدم تفشيل الحراك والانسحاب منه لأجلها. لكن في الوقت نفسه، يتخوّف هؤلاء من توظيف هذا الحراك العسكري لأهداف خاصة انتخابية وسياسية، كما يتخوّفون من شرذمته من خلال اللجوء الى الأفخاخ السياسية والمذهبية