العتمة أم البواخر 2… ما لنا وما علينا في الكهرباء



كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

ليس الهدف من الإضاءة على مشاكل قطاع الكهرباء هو العرقلة، إنما نقل تساؤلات المواطنين والمراقبين بتطبيق الخطط الى آذان المسؤولين. إذ أن الوعد بإصلاح الكهرباء، يعود في الماضي القريب الى حوالى عقد من الزمن. ومنذ ذلك الوقت، واللبنانيون يسمعون عصف الأفكار وهدير المولدات ويشاهدون بواخر “الطاقة” تمخر عباب البحار.. ولا يرون الكهرباء.

في كلتا الحقبتين الممتدتين من 2009 الى العام 2014، عاش اللبنانيون على “سمفونية” كهرباء ٢٤/٢٤. وذلك بناءً على خطة الكهرباء الاستراتيجية التي أقرت العام 2010، والتي وعدت بتأمين أكثر من 4000 ميغاوات لتوليد الطاقة العام 2014، و5000 ميغاوات ما بعد 2015. ومن دون الخوض في شرح ما أُنجز من الخطة، فإن النتائج تتكلم عن نفسها.



ليس ما قيل إلا مقدمة لفهم المسار الذي يمكن أن تسلكه خطة الكهرباء الجديدة. فالرغبة العامة بنجاح خطة الكهرباء، يقابلها ضعف الثقة بما يمكن تحقيقه، إذ يقول أحد المواطنين: “ليس مقدّراً لنا الحصول على الكهرباء في هذا الجيل. فكل الوعود كانت كاذبة. وما السير بخطط جديدة إلا لإضاعة الوقت، زيادة المكاسب لبعض المنتفعين وتأمين المزيد من الأرباح لأصحاب المولدات”.

الأمل بالإصلاح ضعيف

رأيٌ عام! صحيح. لكنه بالتأكيد يشكل مدخلاً حقيقياً لمناقشة ما يمكن تحقيقه من بنود خطة الكهرباء الجديدة. فبالشكل تبدو الخطة واعدة ومكتملة العناصر، ولا ينقصها إلا الوقت لبدء التنفيذ. إنما إذا غصنا في التفاصيل، حيث تكمن الشياطين، نرى أن الخطة ما زالت تضع “عربة التنفيذ” أمام “حصان الإصلاح”. وهو ما سيعيق بحسب معدّ الورقة الاقتصادية التي قدمها “الحزب التقدمي الاشتراكي”، محمد بصبوص، “أي إصلاح حقيقي يمكن أن يؤدي الى النتائج المرجوة، بشكل مستدام، وبكلفة مقبولة وبوقت قصير”.

“بالتراضي” على أوسع نطاق

نقطة الضعف الأولى في الخطة، بحسب بصبوص، هي “بدء تلزيم المشاريع على قاعدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قبل تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع. والمعلوم أن القانون الذي صدر العام 2017، والذي حدد بشكل واضح كيفية تنظيم مشاريع الشراكة، ركز على دور الهيئة الناظمة المفصلي. خصوصاً لجهة الإعلان عن المشاريع، وكيفية قبول العروض وفضها، وصولاً الى تحديد الجهة التي ترسي عليها الصفقة”.



لم يجر الالتزام بالقانون، وخُرق في أكثر من مكان. فبعد الخلاف مع شركة j&p Avax التي كانت ستنشئ معمل دير عمار2 على قاعدة EPC (البناء لصالح الدولة)، ارتأى المعنيون، تحويل العقد الى شراكة مع القطاع الخاص على قاعدة PPA (ينشئ القطاع الخاص الملكية، يديرها ويبيع الطاقة للدولة لفترة محددة). وبالفعل وبسطرين في محضر جلسته، وافق مجلس الوزراء على عملية التحويل، التي قضت ببناء القطاع الخاص المعمل، وشراء الدولة الكهرباء بسعر 2.95 سنت لكل كيلوواط، على مدى 20 عاماً، مع 5 سنوات قابلة للتجديد. وذلك من دون أن يكون هناك أي متعهد آخر، أو عرض أسعار مختلف. وبخصوص السعر الذي تعتبره “الطاقة” الأدنى، يقول بصبوص: “أدعوكم الى مراجعة المشاريع المشابهة، لجهة الحجم، وكلفة الإنتاج وكميته، والتي هي بالمناسبة متوفرة على شبكة الانترنت، ومقارنتها مع السعر المقدم”. ويضيف: “بمجرد عدم توفر عرض آخر، وغياب عنصر المنافسة، يعني أن هناك شكاً”.

الطاقة الهوائية مثال آخر

أما تلزيم مشروع توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الهوائية في عكار فهو نموذج آخر، تمّ تلزيمه على قاعدة PPA وبالطريقة نفسها، ولكن بمخالفة أكبر، وهي أن “الجهة التي أعدت دفتر الشروط كانت المركز اللبناني لحفظ الطاقة، والذي هو بالمناسبة جمعية” يقول بصبوص، ويضيف: “التغييب القسري للهيئة الناظمة والمجلس الأعلى للخصخصة، اللذان يراقبان الشروط والتلزيم، دفع الى اعتماد سعر بيع الكيلوواط كهرباء بـ 11.4 سنتاً لكل كيلوواط، مقابل معدل وسطي يتراوح بين ٥ و ٦ سنتات عالمياً. والأمر نفسه ينسحب على مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية”.

هدر الطاقة 50%

النقطة الثانية والمهمة لحل أزمة الكهرباء، هي تخفيف الهدر على الشبكة. والذي يبلغ بحسب أرقام الوزارة ٣٥ في المئة. “وهنا تسجل نقطة إيجابية، إذ ان الطاقة لحظت للمرة الأولى، وبشكل واضح الهدر، ولو أتى منخفضاً عن تقديراتنا التي تبلغ ٥٠ في المئة”، يقول بصبوص.

ينقسم الهدر الى تقني (الطاقة التي تفقد في الشبكة خلال عملية التوزيع وبعملية النقل)، وغير تقني (التعليق على الشبكة، والتهرب من دفع الفواتير، والسرقة المباشرة). وإذا كان الشق الأول يتطلب وقتاً طويلاً، فإن الهدر غير التقني، يمكن السيطرة عليه. وقد اعترفت الخطة بـ 500 مليار ليرة فواتير غير مجباة. والسبب يعود الى تأخر الجباية لأكثر من عام في مختلف المناطق. وبالتالي، كان يجب ان تترافق الخطة مع خطوات تنفيذية واضحة وسريعة في التحصيل. انما الخطوات التنفيذية التي رأيناها فهي زيارة بعض المناطق، وإزالة بعض التعديات عن الشبكة، وتسطير 18 ألف ضبط مخالفة. وإذا كان من الصعب الطلب من الوزارة معالجة موضوع الهدر التقني سريعاً، كان يجب البدء بتخفيض الهدر بنقطتين او ثلاث سنوياً، لنصل الى الرقم المرجو والمفيد. وعندها تنتفي الحاجة الى الاستمرار في طلب سلفات الخزينة. ويقول بصبوص: “إن الـ ٥٠٠ مليار غير المجباة، تبلغ ضعف الفارق بين ما حصلت عليه مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2018 بالمقارنة مع العام الحالي، والذي بلغ 242 مليار ليرة”.

الخوف اليوم هو أن يكون ما يحصل تشريعاً للطريقة الخاطئة التي تمت بها عمليات التلزيم والإدارة. وهو ما يؤدي بحسب التجارب الى عدم تنفيذ الخطة المأمولة والاستمرار بسياسة جر الكهرباء من البواخر الى أمد غير محدود