أكثر من 100 شخص يموتون غرقاً سنوياً…



كاد شهر تموز أن يتحوّل إلى الشهر العالمي للوفاة غرقاً، إذ ابتلع بحر لبنان 6 أشخاص في 9 أيام (بين 13 و21 تموز). شهد شاطئ السعديات المأساة الاولى بغرق عائلة سورية مكوّنة من 4 أشخاص، تلاها غرق المواطن طوني الخويري (40 عاماً) في العقيبة، وعبد الحميد نصري (32 عاماً) في جونيه. من دون أن ننسى غرق الطفل مصطفى رضوان بغدادي في أحد المنتجعات في منطقة أردة – زغرتا في منتصف حزيران. ببلوغ موسم الصيف ذروته، تبرز قضية سلامة روّاد الشواطئ العامة والمسابح الخاصة، وتكثر التساؤلات عن الإجراءات التي تُواكب يوميات هذا الموسم الحار. من يُنقذ روّاد الشواطئ العامة من الغرق؟ من يُدقق بشهادة منقذي السباحة العاملين في المسابح الخاصة؟ كيف يمكن الحد من ضحايا الموت غرقاً؟ هل ينفع تركيب الكاميرات وربطها بالوزارات المعنية؟

لم تكن نوال تُدرك أنّ يوم العمر الذي أمضته على شاطىء البحر سيُفقدها حبيب العمر، الذي أصرّ قبل المغادرة على أن يقوم «بالشكة» الأخيرة، فإذا به ينحرف ويرطم رأسه بصخرة، وسرعان ما لفظ أنفاسه الاخيرة.



بين 90 و150 قتيلاً
على الرغم من تعدد السيناريوهات وتنوع الاسباب فإنّ النتيجة مفجعة، إذ يُسجل لبنان سنوياً وفاة أكثر من 100 شخص غرقاً، بحسب إحصاءات «الجمعية اللبنانية للوقاية من الإصابات الرياضية» (LASIP) و«وحدة الإنقاذ البحري» في الدفاع المدني. وقد شهد العامان المنصرمان ارتفاعاً في الحوادث البحرية، يلفت اليها رئيس جمعية (LASIP) زياد الحلبي، في حديث الى «الجمهورية»، فيقول: «إنّ عام 2017 سجّل نحو 90 حالة وفاة غرقاً، ارتفعت عام 2018 إلى 110 غرقى». ويشير إلى «انّ عدد ضحايا الموت غرقاً يتراوح سنوياً في لبنان بين 90 و150 قتيلاً، معظمهم من رواد الشواطئ العامة».

ويتابع: «حيال الوضع الاقتصادي المتأزّم لا يجد أصحاب الدخل المحدود مجالاً للترفيه إلّا الشاطئ اللبناني، فيستغلون أي منفذ أو ممر يقودهم إلى البحر للسباحة، من دون أن يضمنوا خروجهم بسلامة، غير آبهين لوجود تيارات بحرية، أو صخور مخفية، وغيرها من العوامل الطبيعية الخطرة».

ويتوقف الحلبي عند خطأ شائع لدى معظم محبّي السباحة «عندما يواجهون تياراً بحرياً يتملّكهم الخوف ويعجزون عن تحكيم ذكائهم، محاولين السباحة عكس التيار، فيستنزفون كامل قدرتهم البدنية ويغرقون عوضاً من السباحة بشكل مواز للشاطئ»، مشيراً إلى انّ «أكثر الشواطئ التي تتعرض للتيارات هي: جبيل، صور، الرميلة، السعديات، الدامور، صيدا وطرابلس».



من 13 إلى 20 سنة
إنّ القفز في المياه أو ما يُعرف بـ«الشَك» يشكّل أحد الاسباب الرئيسية لحالات الوفاة غرقاً، ويوضح الحلبي أنّ «القفز في البحر أو الانهر أو أحواض السباحة، سبب رئيسي لوفاة المراهقين والشباب غرقاً أو إصابتهم بالشلل. وتكمن خطورة القفز تحديداً على أي كورنيش عن «الدرابزين» نظراً إلى خطورة ارتطام الشخص بالصخر ووفاته فوراً، والمؤسف انّ الفئة العمرية الأكثر عرضة للوفاة غرقاً نتيجة القفز تتراوح بين 13 و20 سنة نتيجة الحماسة التي قد تنشأ بين المجموعات الشبابية وتهوّر معظمهم من دون إتقانهم السباحة». ويضيف: «عام 2014 إستحصلنا على قرار وزاري من وزارة الداخلية يمنع «الشَك» في الاماكن العامة، ما يعطي قوى الامن الصلاحية في أن توقف أي شخص يقفز في هذه الاماكن، وتحديداً عن «السنسول».

يحتلّ القفز في الأنهر السبب الثاني للوفاة غرقاً، ويقول الحلبي: «نتيجة قلة ثقافة ودراية روّاد الانهر بخصوصية السباحة فيه، فإنهم يستسهلون القفز غير مدركين أنّ النهر لا يقل خطورة عن البحر، فهو مياه «حلوة» جارية، يختلف مجراها من عام إلى آخر، ويختلف منسوبها من شهر إلى آخر بحسب كمية المتساقطات، ونسبة ذوبان الثلج… النهر دائم الحركة وكأنه تيّار بحري مستمر، لذا من يغرق يصعب انتشاله لانجرافه وخطورة ارتطامه بشجرة محاذية أو صخرة أو عوامل طبيعية أخرى».

نقص في المنقذين
في ضوء العمليات التي تقوم بها وحدة الإنقاذ البحري في الدفاع المدني، يلفت رئيس الوحدة سمير يزبك «إلى انه منذ مطلع السنة الجارية حتى منتصف تموز سُجلت 53 حالة وفاة غرقاً سواء في البحر أو النهر أو في البحيرات، والنسبة الأكبر من الضحايا هم من اللاجئين السوريين». ويقول في حديث لـ«الجمهورية»: «تأسست وحدة الإنقاذ عام 2001 يوم كان دولة الرئيس الياس المر وزيراً للداخلية، أنشأنا 5 مراكز هي: جونيه، الجية، البترون، صور، العبدة. نحاول قدر المستطاع تمشيط الشاطئ اللبناني، وحيث تنشط السباحة على امتداد الوطن، إلّا انّ عدد المتطوعين لدينا هو 180 شخصاً بين إنقاذ وإسعاف وبحث عبر الطوافة، في الأنهر والبحيرات ساحلاً وجبلاً. في المقابل إنّ أقل ما نحتاج اليه هو 600 عنصر، بالإضافة إلى فتح مراكز إضافية وتعزيز كوادرها للتمكّن من التصدي للحوادث المائية ولحالات الغرق».

يُشكّل إعداد منقذين بحريين من أبرز المهمات المنوطة بوحدة الإنقاذ، إلا انّ نقص الشباب في التقدم إلى هذا المجال يزيد الطين بلة، فيشرح يزبك: «نحضّر سنوياً وقبل موسم الصيف منقذي سباحة، يخضعون للتدريبات، ثم يتوزعون على المنتجعات الخاصة وشواطئها. حتى الآن لهذا العام أعددنا 250 منقذاً، حضروا من كل المناطق اللبنانية وخضعوا للامتحان بعدما تعلموا السباحة والغطس، وقواعد الإنقاذ والإسعاف». أمّا بالنسبة الى حاجة لبنان الى المنقذين البحريين، فيقول: «يحتاج لبنان إلى نحو 1000 منقذ بحري على طول الشاطئ اللبناني والمنتجعات السياحية سهلاً وجبلاً، نؤمّن سنوياً تدريب 250 إلى 300 منقذ. والمؤسف من عام إلى آخر، أنّ الذي تدرّب قد يترك مجال الانقاذ لأنّ فرصة عامل ثابتة غير موسمية توافرت أمامه»