في لبنان | من أروع قصص العشق والوفاء… بعد 74 سنة و5 أيام من الحب والزواج، وبعدما رزقا بـ150 حفيداً، ‘أم حسين’ (91 سنة) رحلت، و’أبو حسين’ باق على عهد معشوقته

قد يولد الحب من اهتمام صغير … من نظرة رقيقة وكلمة طيبة…. ولكن لينمو ويطغى على حواسك حتى تتنفسه عشقاً وتهيم به مفتوناً، لا بد أن تغدق عليه من عناية واهتمام… صدق واخلاص… دعم ومواساة… وحينها سيكبر حتى يفيض نوراً من روح العاشقين يومض بريقاً في سماء حياتهما…

يهديهما الى قريرة نفس كلما ضاقت بهما الحياة، فيتكئان على كتف بعضهما، لتنهار اهوال الكون…. يضمها الى صدره، فتغدو، مهما كبرت، طفلة يهدأ روعها متى ما سمعت قلبه ينبض حباً… وتستكين روحه متى ما رآها تنظر اليه بعينين عاشقتين وتلهج مهجتها باسمه قبل لسانها….

ولذا كانت ساعة الفراق صاعقة على الحاج “ابو حسين” (91 سنة) عند فراق معشوقته “خديجة” (91 سنة) بعد 74 سنة و5 ايام، كما يصر، ولكنها ما كانت لتقوى على انتزاع حبه من قلبها…

“عاشت “خديجة” ازمة مع عائلتها حتى تزوجته، ولكنه حول حياتهما جنة لم يعكر صفوها لعشرات السنوات خلاف او اختلاف يوماً….. 74 سنة و5 ايام من الحب والتفاهم والاحترام لم نرَ لهما مثيلاً في كفررمان حتى عندما اشتد المرض”….

بهذه العبارات يختصر مقرب من العائلة قصة العشق السرمدية التي جمعت ” الحاج علي محمد مصطفى ظاهر (ابو حسين) والمرحومة الحاجة خديجة قاسم… فكلاهما من مواليد العام 1928، وتزوجا بعمر الـ 17 سنة في 12 تموز 1945 بعد قصة تحد واصرار انتصر فيها الحب على ما خالفه….

فهو الذي كان يعمل في مطلع شبابه حلاقاً في حيفا في فلسطين، يقصدها من بلدته كفررمان، كانت “خديجة” تنتظر عودته بفارغ الحب، حتى استقر بزواجهما وبدأ يعمل مزارعاً في ضيعته… متناغمان لدرجة لم يصدقها الا من عاشرهما… أنجبا 13 ولدا: 10 اناث و3 ذكور، ما لبث هؤلاء ان كبروا وانجبوا حتى الساعة 150 حفيداً….

منذ شهر تقريبا، اصيبت الحاجة ام حسين (91 سنة) بوعكة صحية جعلتها طريحة الفراش…. فجأة، خارت قواها وما عادت قادرة حتى على الكلام، الا بحضور حبيبها “علي”…تستجمع قواها لتحدثه وتقول له “عم بيسألوني اذا بحبك؟ قلتلهم كيف بديش حبك؟”…

ثم تدهورت حالتها في الايام الاخيرة، وحتى حضور “ابو حسين” لم يعد قادراً على بث الطاقة فيها… تراه، عيناها تدمعان، ويمسحهما…في رسالة حب وتقدير واحترام عجز أمامها العمر والسقم…

قبل ايام، احتضن ثرى كفررمان جثمانها الطاهر…. ضاق المنزل بما رحب بالأحبة والمعزين…. الا ان ابا حسين كان دائماً ما يقول، “حاسس هالبيت فاضي” ويجهش بالبكاء.

وبعد اسابيع على رحيلها، ما زال يستيقظ كل يوم صباحا، ويقصد غرفتهما… تلك الغرفة التي لطالما حمل اليها بيديه قهوة الصباح يحتسيها مع شريكة عمره، باتت اليوم كئيبة حزينة… يحتضن فيها صورتها وصورتهما معاً، ثم يزور ضريحها طلباً لراحة نفسه…

في زمن غابر ما عاد فيه للحب مرتع، فكيف بالوفاء، تتملكك هالة العشق تطفو على كأس الموت المرير امام قصتهما… فها هو “ابو حسين” وقد تدفق حب “خديجة” في شرايينه، يقدم ايامه كما قدمها سابقاً قرباناً على مذبح الوفاء…. فالموت وان استعجل الفراق لا يموت مع موت من نحب…


هو بركة ساحرة متى ما تدفقت من قلب ولاقت صبابة في قلب عاشق شغوف… فإنك حين تحب ويموت من تحب، لا يموت الحب… بل يرتقي جزء من روحك ليرمقك من علياء وينفث في نيران الشوق حتى تستعر آيات الخلود…


يا صور_عبير محفوظ