أين مصلحة لبنان في التماهي مع «حزب الله»؟

أطاح لبنان الرسمي الهندسة السياسية التي اعتمدتها حركة 14 آذار في الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005، والقائمة على أمرين أساسيين: المساكنة كأمر واقع، والفصل الدقيق بين موقف لبنان الرسمي وموقف «حزب الله».تغطي المواقف التي صدرت عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس الأعلى للدفاع ومجلس الوزراء «حزب الله» في أي رَد عسكري على الاعتداء الإسرائيلي، والتذرُّع بالبيان الوزاري الذي تحدّث في إحدى فقراته عن «حق اللبنانيين في الدفاع» ليس في محلّه، لأنّ الفقرة المذكورة وُضعت لضرورات «المساكنة» فقط لا غير بين طرفين مختلفين جذرياً، فيعمد كل منهما إلى تأكيد وجهة نظره المبدئية للأمور، حيث لن يقبل الحزب أن يخلو البيان من اي إشارة الى دوره، والعكس صحيح، وإلّا لَما سُمّيت «مساكنة». وهي تعبير عن عدم قدرة اي طرف على إلغاء الآخر، والتسليم المتبادل بالتعايش في انتظار ان تحسم التطورات الإقليمية الانقسام اللبناني لمصلحة هذا الفريق أو ذاك، فإمّا يسلِّم «حزب الله» سلاحه إلى الدولة اللبنانية، وإمّا تمنح طهران التفويض نفسه الذي منح للنظام السوري بإدارة الوضع اللبناني.

ولكنّ «المساكنة» التي عبّرت البيانات الوزارية عنها شيء، وموقف لبنان الرسمي شيء آخر مختلف تماماً، ولا يجوز الخلط بينهما ولا إسقاط او استخدام وتوظيف ما ورد في متن البيانات الوزارية في سياق التطورات السياسية، لأنّ ما ورد في تلك البيانات يندرج حصراً في إطار حفظ كل فريق لوجهة نظره.
وقد حرصت الحكومات المتعاقبة على وضع حدود فاصلة بين مواقف «حزب الله» ومواقف الدولة الرسمية، وذلك من منطلق رفض تَبنّي ما يقوله الحزب، كما رفض تبنّيه موقف الدولة الرسمي، والهدف من هذا الحرص حماية لبنان، لأنّ الخلط بين الموقفين وتحوّلهما إلى موقف واحد ينعكس سلباً على لبنان ديبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً.

وفي موازاة التمسّك بمبدأ الفصل حمايةً للبنان، فإنّ من أهداف الفصل أيضاً الحفاظ على سياسة ربط النزاع بين مشروع الدولة ومشروع الدويلة، والتأكيد للمجتمعَين الدولي والعربي انّ موقف لبنان الرسمي يختلف عن موقف الحزب، ودعوتهما إلى التمييز بين «المساكنة» كأمر واقع من دونها يتفجّر لبنان سياسياً وربما أكثر وتَفهُّم هذا الواقع، وبين موقف الدولة المعبِّر عن ثوابت لبنان التاريخية وتمسّكه بالشرعيتين العربية والدولية والدستور واتفاق الطائف.
وإنّ ما حصل في الأيام الأخيرة خطير للغاية على 3 مستويات أساسية:

المستوى الأول، تَخلّي لبنان الرسمي عن حقه السيادي في الدفاع عن أرضه وسيادته من خلال إعطاء «حزب الله» الضوء الأخضر للرد عسكرياً على الاعتداء الإسرائيلي. فبيان المجلس الأعلى لا يحتاج إلى تفسير على غرار موقف رئيس الجمهورية، ومجرد التذكير في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي بـ»حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس بكل الوسائل ضد اي اعتداء»، يعني أنه في جملة صغيرة أعطى المجلس الأعلى الحق للبنانيين، وليس للدولة، باستخدام كل الوسائل، أي المقاومة، الأمر الذي يُعدّ تَخلياً مكشوفاً عن الحق الحصري للدولة وحدها بالدفاع عن سيادتها.

المستوى الثاني، إنّ التطابق والتماهي في المواقف بين لبنان الرسمي و»حزب الله» يجعل أي رد إسرائيلي يستهدف الدولة ومؤسساتها، بل كل لبنان وليس فقط مواقع الحزب، فضلاً عن انّ هذا التطابق يَستجِرّ عقوبات أميركية على الدولة طالما انها لا تميِّز موقفها عن الحزب، وقد يؤدي إلى عزل لبنان دولياً وعربياً