ماذا يجري على الحدود الجنوبية.. وهل يعدّ العدو الاسرائيلي لعمل ما؟!

فيما أطلق رئيس بعثة القوة الموقتة للامم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) وقائدها العام اللواء ستيفانو دل كول عبر”النهار” امس تحذيرا صريحا بان “الوضع على طول الخط الازرق لايزال هشاً”، لاسيما بعد الخرق الكبير الذي سُجل في ايلول الماضي (هجوم “حزب الله” في وضح النهار على آلية اسرائيلية كانت تمر داخل الحدود الاسرائيلية)، تحمل المعلومات الواردة من المنطقة الحدودية ما يفيد بان القوات الاسرائيلية شرعت في حراك ميداني مكثف فوق العادة على طول الحدود مع لبنان عبر نصب مزيد من المرابض الرشاشة ورفع مزيد من كاميرات المراقبة واقامة تحصينات جديدة على الجانب الآخر من الحدود على نحو بدا المشهد الحدودي معه كأن ثمة استعدادات اسرائيلية تحسباً لعمل ما او انتظاراً لمستجد في ظهر الغيب.

وتلفت تلك المعلومات الى ان هذه التحركات والاستحكامات تتم بشكل غير مألوف وبوتيرة شبه يومية.

وفيما قابلت المقاومة هذا الوضع المستجد باتباع نهج الصمت والتحفظ عن كل التحركات الاسرائيلية على طول الحدود مع الكيان الصهيوني جرياً على عادتها، الا ان مصادر على صلة ابلغت “النهار” ان المقاومة تتابع دقيقة بدقيقة وعن كثب كل مستجد ميداني تقدِم عليه قوات الاحتلال على جانبي الحدود وتدرجه في سجل الرصد اليومي الدقيق وتضيفه الى بنك معلوماتها عن قوة الاحتلال، لكنها لا تشعر اطلاقا بان هذه المستجدات تشي باستعدادات لعمل عدواني جديد قد يقدم عليه هذا العدو او يهيىء له، وان هذا ينمّ عن خوف متصاعد من جانب العدو وتعزيز لدفاعاته ليس إلا.

من جهته، أفاد مدير التوجيه في قيادة الجيش العميد علي قانصو “النهار” ردا على سؤال بان قيادة الجيش ترصد منذ فترة تحركات وتعزيزات ميدانية اسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود، ومع ذلك فان التقويم المكوَّن هو ان الاوضاع عموما في المنطقة الحدودية يمكن إدراجها في خانة “الوضع الطبيعي والمعتاد”، وليست هناك معطيات ميدانية تشي بتحولات دراماتيكية. وقال: “الواضح ان العدو يتَّبع سياسة مراكمة الاختبارات والتجارب والتمويه عبر اقامة نقاط مراقبة ورفع سواتر جديدة، وهو بذا يحرص على الايحاء بانه لا ينام وانه ممسك بزمام الوضع والمبادرة”.

وذكر العميد قانصو انه “في اطار الاستراتيجية التي يتّبعها العدو الاسرائيلي، عمد سابقا الى تركيب كاميرا مراقبة عند نفق القطار القديم في رأس الناقورة، وبادرنا على الفور الى تقديم شكوى الى اليونيفيل، وطالبنا بازالة هذا الخرق. وبالفعل سارعت القوة الدولية الى التواصل مع الجانب الاسرائيلي وحملت اليه تحذيرنا فبادر الى ازالة الكاميرا، ومذذاك الامور تسير بشكل طبيعي”.

ولدى المحلل الاستراتيجي والخبير في قضايا الحدود العميد المتقاعد امين حطيط رؤية وقراءة عسكرية لما ينفذه العدو الاسرائيلي اخيرا بشكل مكثف على الطرف الآخر من الحدود. ويقول لـ”النهار”: “يمكن ان نستنتج من خلال هذا السلوك الاسرائيلي المستجد نسبيا ان العدو الصهيوني قد ولج عمليا وتكيّف مع مرحلة التحول من الهجوم المفتوح الذي اتكأ عليه طوال العقود الستة الماضية، الى مرحلة الدفاع بنوعَيه الثابت والمتحرك. ولهذا الانتقال في العِلم العسكري متطلباته وموجباته الميدانية، اي انه بحاجة الى بنية تحتية لم تكن اسرائيل في السابق تدخلها في حساباتها العسكرية. وهذا يستلزم ثلاثة امور اساسية جديدة هي:

– تكثيف العوائق الارضية من دشم وسواتر واسلاك شائكة وما الى ذلك من انماط دفاعية.

– نصب المزيد من اجهزة الرصد والمراقبة والرؤية والكاميرات والمناطيد وطائرات الاستطلاع.

– اسلحة نارية سريعة الرد والحركة ويتم الاعتماد فيها على تكثيف مرابض الرشاشات على انواعها ومنها ذاتي الحركة”.

واضاف: “منذ اشهر ونحن نرصد بشكل يومي ان الشغل الشاغل الصهيوني هو التزام قواعد هذه الاجراءات العسكرية الميدانية، ما يعني بالنسبة الينا ان العدو الصهيوني قد بدأ يتكيف مع مرحلة الدفاع الثابت والمتحرك، وما يعني استطرادا ان العقل الاستراتيجي لهذا العدو بدأ يتخلى تدريجا عن نهج الهجوم المفتوح الذي كان عماد استراتيجيته منذ انشائه قبل عقود الى الامس القريب. وأبعد من ذلك، استوعب الكيان العبري قوة الردع الذي ادخلته المقاومة نهجا راسخا على الميدان”.

وعن رأيه في ما يقوله قائد “اليونيفيل” في الجنوب اللواء دل كول عن هشاشة الوضع على “الخط الازرق”، قال العميد حطيط: “في الفترة السابقة عمل الكيان الصهيوني على اللعب على مسألة ما سمّي زوراً الخط الازرق، وهو ما كنا نحذر منه دوما ونعتبره فخاً يتعين التنبه والحذر منه، وقد كنا ندعو الدولة والجهات المعنية الى رفض استخدام هذا المصطلح، ونقول يتعين استخدام المناطق اللبنانية المعتدى عليها او نقاط التحفظ كاثبات لحقّنا بهذه المساحات من الاراضي الجنوبية. ومع ذلك فان من المؤسف ان العدو تسلل من هذه الثغرة وابتلع على مراحل وفي مناسبات مساحات من المناطق المعتدى عليها وهي مهمة وان كانت مساحات صغيرة. وفي الآونة الاخيرة نجحت جهود لبنانية في اعادة الاعتبار الى نقطة مهمة، وهي ان الحدود البرية مع العدو مرسَّمة ولا ينبغي فتح اي سجال او تفاوض عليها، في حين ان المشكلة هي في الحدود البحرية التي تحتاج الى ترسيم نهائي”. ولفت في هذا الاطار الى ان “فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثبّت ذلك في اطلالاته الاعلامية، وخصوصا في المحافل الدولية. واعتقد جازما اننا سنشهد في الفترة المقبلة تراجعا في الحديث لمصلحة الحديث عن ضرورة ترسيم حدود لبنان البحرية”.

المصدر:

النهار