قضيّة الفاخوري ووثائق الاتصال مستمرّة رغم شبح “الانهيار”!

ربّما تكون هدأت إعلاميّاً بعض الشيء الضجّة الكبيرة والاحتجاجات الواسعة على عودة العميل عامر الياس الفاخوري من الولايات المتّحدة إلى لبنان. وهو الذي كان “جنديّاً” في “جيش لحد” ووصل إلى رتبة نقيب كما يُقال، وتسلّم مدّة طويلة مسؤوليّة أساسيّة في “معتقل الخيام” حيث كان يوضع أعداء الاحتلال الاسرائيلي والناشطون في مقاومته عسكريّاً وبكل الوسائل من “الأحزاب الوطنيّة” المتنوّعة وفي مقدّمها “حركة أمل” وجبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة (اليسار الشيوعي المتنوّع) والحزب السوري القومي الاجتماعي، وأخيراً “حزب الله” المدعوم إيرانيّاً وسوريّاً والذي صار المقاوم الأوّل لاعتبارات عدّة معروفة بعضها كان موضع شكوى وتذمُّر.

لكنّه أزالهما بنجاحه في إجبار الاحتلال على مغادرة لبنان مكسوراً وذليلاً عام 2000. وسبب الهدوء المُشار إليه هو التخبّط الكبير الذي تعيشه الدولة برئاساتها الثلاث ومؤسّساتها وسلطاتها النقديّة، والذي تعيشه القطاعات الاقتصاديّة والمصرفيّة والنقديّة، وعجز الجميع حتّى الآن على الأقل عن إبعاد البلاد عن حافة الهاوية التي دون قعر، والخوف من نزول الناس إلى الشارع رفضاً لهذه الحال ومطالبته بالإصلاح، مع ما لا بُدّ أن يرافق ذلك من أعمال مخلّة بالأمن ومزعزعة للاستقرار. علماً أن النزول المذكور قد يكون عفويّاً بسبب الخطر الذي يشعر به اللبنانيّون.

لكن لا شيء يمنع أن يكون بعضه مخطّطاً له من جهات داخليّة وأخرى خارجيّة تنفيذاً لأجندات مختلفة ومتناقضة في آن. لكن الهدوء المذكور لا يعني أن المتابعة القانونيّة لعودة الفاخوري بواسطة القضاء والأجهزة الأمنيّة ستتوقّف. والسبب الوحيد لذلك هو تمسّك “حزب الله” وحلفائه في كل المواقع والمؤسّسات بالذهاب إلى الآخر في التحقيقات لمعرفة عدد الذين عادوا من المصنّفين “عملاء” وعائلاتهم ومن سهَّل لهم العودة، ومن ساهم في “ابتداع” صيغة قانونيّة ظاهراً وشكلاً لذلك وفي تغطية تنفيذها. ولعلّ الموقف الهادئ جدّاً ولكن الحازم جدّاً الذي أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إحدى ظهوراته التلفزيونيّة الأخيرة من “العودة” العملائيّة، ورفضه في وضوح كلّي تسمية “المُبعدين” لعملاء إسرائيل بعدما غادروا لبنان عقب انسحابها المفاجئ لهم وربّما لها التي يستعملها حليفه “الاستراتيجي” “التيّار الوطني الحر” ورئيسه ورجل العهد القوي رئيسه الوزير جبران باسيل، لعل هذا الموقف يؤكّد أنّ عودة العميل الفاخوري لن “تلفلف” كما يحصل لكل القضايا المؤذية جدّاً للبنان وطنيّاً واقتصاديّاً وإهداراً وأمناً ووحدة وطنيّة، وأن إعادة نظر جديّة في “الصيغة” التي ابتُدعت لإعادته وقبله لمئات العملاء سيتم اعتمادها.
ولن يخفّف من عزيمة نصرالله و”الحزب” الكلام الذي يتردّد عن تفاهمهما و”التيّار” وتحديداً مؤسّسه العماد ميشال عون قبل انتخابه رئيساً للجمهوريّة على الصيغة “المُبتدعة” والذي يصفه محبّوهما بالكلام الحق الذي يُراد بها باطل.

ما هي قصّة “صيغة العودة”؟

يُجيب متابعون من قرب حركة “حزب الله” وحلفائه من لبنانيّين وفلسطينيّين وراعيته إيران الإسلاميّة عن هذا السؤال بالقول أن المحادثات بين فريقي “تفاهم مار مخايل” تناول موضوع “العملاء” لإسرائيل الذين لم تكن صفتهما “القانونيّة” عندهما في حينه “المبعدون” إليها. لكن البحث فيه لم يكن تفصيليّاً. طبعاً في أثناء الإعداد لـ”التفاهم” كانت تحدُث مناقشات شفهيّة وأخرى مكتوبة، وكانت تراجع محاضر لجلسات سابقة، ولم يُبتّ موضوع “العملاء” إلّا في الاجتماع الذي ضمّ السيّد نصرالله والجنرال في كنيسة مار مخايل، والذي كان مُخصّصاً لاعلان الاتفاق بين “الحزب” و”التيّار”. وما اتفقا عليه كان أن عملاء لبنانيّين لاسرائيل فرّوا وعائلاتهم مع جيشها المُنسحب عام 2000، وأن أولادهم وعائلاتهم يعودون إلى الوطن إذا لم يرتكبوا جرماً وإذا لم يحاربوا في صفوف جيش العدو في أثناء الاحتلال. لكنّهم يعودون بالقانون وبواسطة القضاء اللبناني وبعدما يُبادرون إلى تسليم أنفسهم إلى الجيش اللبناني فور دخولهم الحدود اللبنانيّة. وكان الاتفاق ثالثاً أن العائدين من الفئة المذكورة تصدر في حقّهم أحكام مُخفّفة، وأنّهم لن يتعرّضوا إلى انتقامات. أمّا الذين على أيديهم دماء مواطنيهم اللبنانيّين خدمة لإسرائيل فإنّهم لن يعودوا في أي حال. أمّا إذا فعلوا فإنّهم سينالون العقاب القانوني المناسب لأفعالهم من دون شفقة ولا رحمة. ويشير هؤلاء المُتابعون لحركة “الحزب” أن امرأة هربت مع زوجها وكانت حاملاً. وبعدما وضعت اشتاقت إلى عائلتها ولم ترتح إلى “العيشة” في إسرائيل، فحملت طفلها واجتازت حدود اسرائيل وسلّمت نفسها إلى الجيش اللبناني. وبعد التحقيق معها وربّما المحاكمة عادت إلى أهلها. أمّا التهديدات بالقتل المُسجّلة على حدّ قول البعض في لبنان التي وجّهها مقاتلو “الحزب” وغيرهم لأبناء الشريط “العملاء” فتوجيهها ضروري، كي يدبّ الذعر في صفوفهم وتضعف “مقاومتهم” ويُبادروا إلى الفرار أو تسليم أنفسهم. ولو كانت جديّة لحصلت مجازر في تلك المنطقة.

ما هي وثيقة الاتصال التي تحمل الرقم 303 التي تمّ تداولها كثيراً في المحافل السياسيّة والإعلاميّة اللبنانيّة، بعدما استند إليها العميل العائد من أميركا والحامل جنسيّتها وبواسطة جواز سفرها إلى لبنان مطمئناً إلى أنّه سيدخل ويعيش حياة طبيعيّة في بلاده؟

ما نفع التظاهر؟

كل هذا الحكي مجرّد حكي!
وثائق الاتصال 303، يُجيب المُتابعون أنفسهم، بالآلاف. وهي برقيّة تدوّن فيها معلومات الأجهزة الأمنيّة عن كل لبناني أو مُقيم في لبنان في صورة شرعيّة أو غير شرعيّة يرتكب فعلاً مخالفاً للقانون ويعرِّض السلامة العامة والأمن والاستقرار للخطر. فمطلقوا النار في المناسبات أو من شوهد يحمل سلاحاً، ومن شارك في “خربطة” أمنية تُصبح له وثيقة… وإذا “عَلِق” أمام الأجهزة الأمنيّة وإن بالصدفة (مطار – حادث سير وتحقيق في المخفر…) يؤتى بـ”النشرة” ويقبض عليه ويُحال إلى القضاء.

لماذا صارت وثيقة الاتصال قضيّة أساساً؟

المصدر:

النهار ـ سركيس نعوم