ما الحديث الذي دار في الإتصال بــيــن بــــري والحريري من عين التينة الى باريس ؟ الخــطـــــوات الـ 9 التي يحتاجها لبـــنان لنهضة الإقتصاد بعد تألـــيــف الحكــومة

بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتشكيل حكومة «لمّ الشمل»، يبدو ان الرئيس سعد الحريري «دغدغه» هذا التوصيف للحكومة، فعمد الى الاتصال بالرئىس بري قائلا له: «لفتني كلامك عن حكومة لمّ الشمل فهو كلام بناء».

فردّ بري: «اشتقنالك وبيروت اشتاقتلك».

وعقب الحريري قائلا: «انت بتعرف مدى حبي لكم ولبيروت، وان شاء الله قريبا نلمّ الشمل».

هذه الدردشة التي حصلت بين الرئيسين بري والحريري جاءت على وقع التطورات الأخيرة التي ظهرت إلى الإعلام حول عملية التأليف، والتي أظهرت تباعدا كبيرا بين القوى السياسية على شكل الحكومة وعدد وزرائها وغيرها من التفاصيل التي تُشير إلى تراجع أسهم تشكيل الحكومة أقلّه في المدى المنظور. حتى أن البعض أخذ يتحدّث عن إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال بهدف تغطية ولو شق بسيط من غياب حكومة بالأصالة.

التداعيات الاقتصادية لم تتأخر في الظهور من باب فقدان الثقة حيث أخذ المودعون بالتهافت بشكل يومي إلى المصارف بهدف سحب ما يستطيعون من ودائعهم بهدف تخزينها في المنازل أو الشركات. الواقع هذا ترجم بمواجهات يومية بين المودعين وموظفي المصارف مما زاد من الشرخ بين المودع والمصرف.

الشائعات التي تجتاح وسائل التواصل الإجتماعي وشبكة الإنترنت عامة، لها دور أساسي في سلوك المودعين من ناحية التهافت على سحب الودائع. فعند سؤال البعض منهم عن أسباب حاجتهم للدولار الأميركي، يُجيبون أن لديهم مخاوف من إفلاس المصرف وبالتالي يُريدون سحب ودائعهم. هذه المخاوف المُحقة، نظرًا إلى أنها في معظمها جنى عمر، لها مفاعيل سلبية على القطاع المصرفي الذي لا يُمكنه تأمين كل السيولة المطلوبة. والأصعب في الأمر أن ما من حُجّة (مهما كان نوعها) قادرة على إقناع المودعين بوقف الطلب على الدولار وذلك بسبب فقدان الثقة.

واقع الأرقام المنشورة من قبل «بنك أوف أميركا»، «ميريل لينش» ومصرف لبنان، يُشير الى أن ودائع المودعين بخير ولا خوف عليها. لكن هناك صعوبة تسييلها كلها نظرا إلى توظيفاتها في القطاع الخاص (على شكل قروض 61 مليار دولار)، مصرف لبنان (على شكل احتياطي إلزامي وودائع 107 مليار دولار أميركي)، الدين العام (على شكل سندات خزينة 33 مليار دولار أميركي)، والمصارف المراسلة (على شكل استثمارات وضمانات 19 مليار دولار أميركي). هذه التوظيفات يصعب تسييلها في الوقت الحالي باستثناء قسم من الأموال الموجودة في المصارف المراسلة والتي تبلغ قيمتها 19 مليار دولار أميركي، منها 8 مليار دولار أميركي على شكل ودائع.

في الأحوال الطبيعية، 10% من الودائع موجودة في المصارف على شكل كاش لتلبية حاجة المودعين. إلا أن الوضع القائم في لبنان يجعل الطلب على الودائع بالكاش يفوق بشكل كبير نسبة الـ 10%! هذا الأمر يزيد من فقدان الثقة. وبفرضية أنه تمّ جلب الـ 19 مليار دولار أميركي من المصارف المراسلة ووضعها تحت تصرّف المودعين، فهذا يعني أنه تمّ وضع 11.5% من الكاش الإضافي بين يدي المودعين، فهل سيتوقّف التهافت على المصارف في هذه الحالة؟

الجواب هو كلا، سيبقى الطلب على ما هو عليه والسبب يعود إلى فقدان الثقة. وبغض النظر عن التداعيات الأمنية الناتجة من وضع الأموال في المنازل والشركات، سيجد المودعون أنه في الأمان أكثر الاحتفاظ بأموالهم في المنازل بدل تركها في المصارف!

بالطبع هذا التفكير المُحقّ مُخالف للمنطق ويتطابق مع ظاهرة «معضلة السجناء» (Prisoners dilemma ) المعروفة في علم الاقتصاد والتي تنصّ على أن المصلحة الفردية تفوق المصلحة الجماعية، مما يعني أن النتيجة ستكون سلبية على الجميع.

من هذا المُنطلق، نرى الاستمرار في الطلب على الودائع والدولارات يذهب بعكس مصلحة المواطنين قبل كل شيء لأن المصارف تحوي على أموالهم بالدرجة الأولى، وبالتالي أي ضربة للقطاع المصرفي هي ضربة لأموال المودعين.

المصارف اللبنانية أخطأت عدّة مرات، وبإعتقادنا الخطأ الأكبر كان إقفالها لمدّة أسبوعين في 17 تشرين الثاني 2019 عند بدء الاحتجاجات الشعبية. وهذا الأمر أثار ذعرًا لدى المودعين مدعوماً بحملة شائعات على الواتساب تقول إن المصرف الفلاني أفلس أو سيُفلس وغيرها من الشائعات التي ضربت ثقة المودع. الجدير ذكره أنه خلال عدوان تموز 2006، أقفلت المصارف اللبنانية فترة ثلاثة أيام فقط!

وراكمت المصارف أخطاءها بشكل متوال عملا بمبدإ في الإحصاء ينص على أن خياراً خاطئاً يتبعه خيار خاطئ (Positive Correlation between Events). فقد بدأت بعض الفروع، وهي التي لا تملك خبرة إدارة أزمة مثل هذه الأزمة، بالتعامل بشكل سلبي مع المودعين مما أثار غضب هؤلاء الذين أصبحوا يرون أنفسهم في حال تسولّ من المصرف للأموال التي تعبوا من أجل جنيها.

عمليًا، الخروج من الأزمة هو أمر شبه مُستحيل من دون حكومة! لذا لاستعادة الثقة، هناك مجموعة من الخطوات التي يتوجّب القيام بها:

أولا – تشكيل حكومة في أسرع وقت مُمكن نظرًا للتداعيات السلبية الهائلة على ثقة اللاعبين الاقتصاديين؛

ثانيًا – إقرار مشروع قانون استقلالية القضاء والبدء بمحاسبة الفاسدين؛

ثالثًا – القيام بجردة كاملة لكل أصول الدولة المنقولة وغير المنقولة، وعلى رأسها جردة بكل الإيرادات والاستحقاقات مع تواريخها؛

رابعًا – وضع خطّة لتطبيق إصلاحات مؤتمر سيدر، وعلى رأسها الحوكمة المالية، القطاع العام، محاربة الفساد، مكننة الإدارات والمؤسسات العامة؛

خامسًا – وضع خطّة لخفض فوائد الدين العام، وذلك من خلال عمليات سواب أو من خلال خفض سعر الفائدة. هذا الخيار الأخير محفوف بالمخاطر نظرًا إلى طريقة تعاطي وكالات التصنيف الائتماني مع هذا الخفض؛

سادسًا – وضع سياسة حمائية لكل البضائع المُصنّعة أو المزروعة في لبنان؛

سابعًا – بدء دراسة خطّة ماكينزي لوضع الإجراءات اللازمة لتطبيقها وخصوصًا القطاعات التي سلطت الضوء عليها هذه الدراسة أي السياحة، الزراعة، الصناعة، اقتصاد المعرفية، الخدمات المصرفية، والطاقة الاغترابية.

ثامنًا: تطبيق إصلاحات ورقة بعبدا المالية الاقتصادية مع محاورها الأربعة أي السياسة المالية، السياسة الإقتصادية، السياسة الاجتماعية، معالجة الخلل في ميزان المدفوعات.

تاسعًا – وضع خطّة استراتيجية لمواكبة القطاع النفطي وجعل الاقتصاد يواكب استخراج النفط والغاز؛

عاشرًا- استكمال تطبيق خطّة الكهرباء بأسرع وقت مُمكن.

هذه الإجراءات كفيلة باستعادة ثقة اللاعبين الاقتصاديين واستعادة سيطرة الدولة على ماليتها ونهوض الاقتصاد اللبناني. كل ما هو مطلوب الإرادة السياسية!

بروفسور جاسم عجاقة- الديار