الرغيف وكورونا في لبنان لا هوية طائفية لهما!

أثبتت الوقائع أن الضغط الإقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على "حزب الله" إنما هو ضغط على جميع اللبنانيين، إلى أي جهة أو طائفة إنتموا، إذ أصبحوا جميعًا، بفعل الأزمة المالية، ينتمون إلى طائفة واحدة، هي طائفة الفقراء، التي أنتجتها أميركا، من حيث لا تدري، حينما قررت أن تأخذ في طريقها كل ما يعترض سبيلها من أجل الوصول إلى "حزب الله"، وكأنها تريد بذلك الإقتصاص من الشعب اللبناني برمته، خصوصًا أن الحكومة الحالية تنطق بطريقة أو بأخرى بإسم هذا الشعب، وإن كانت خيارًا معروف الإتجاهات والميول، وهي المفروضة بقوة الأمر الواقع عليهم وعلى المجتمع الدولي، الذي تتزعم قسمًا كبيرًا منه الولايات المتحدة الأميركية، التي تفرض عليه نمطية معينة وترسم له الخطوط

ولأن لبنان بقسمه الأكبر واقع بفعل طبيعة تركيبته وتكوينه الديمغرافي بين فكي كماشة وبين محورين وغير قادر على إلتزام سياسة النأي بالنفس كانت العقوبات الأميركية المباشرة على "حزب الله"، وبطريقة غير مباشرة على لبنان بإسره، الذي يقف عاجزًا أمام أزمتيه الإقتصادية والمالية مستجديًا المساعدة من دون أن يلقى صدى صراخه في البرية أي تجاوب معه، لا من الأشقاء، الذين كان يعّول عليهم دائمًا، ولا من الأصدقاء، الذين يمسكونه من يده التي تؤلمه، وهم يشترطون عليه القيام بخطوات إصلاحية سريعة وفورية قبل المبادرة بمدّ يد المساعدة له.

فرغيف اللبنانيين لا طائفة محدّدة له، وكذلك ليرتهم التي تتهاوى تحت ضربات الدولار الأميركي، بعدما أصبحت في حال يُرثى لها جرّاء سياسات مالية خاطئة أوصلتها إلى الحضيض وتكاد توصل اللبنانيين غير المعنيين بحروب الكبار إلى خطّ الفقر المدقع وإلى تهديدهم بجوع يلوح في الأفق، خصوصًا أن أعداد العاطلين عن العمل آخذة في الإزدياد، بعدما فقد معظم اللبنانيين عملهم، الذي كان يؤّمن لهم الحدّ الأدنى من الإستمرارية، ناهيك عن أن القسم الأكبر منهم بات يتقاضى إلى أجل غير مسّمى نصف راتب يكاد لا يكفي تأمين معيشة ربع شهر، مع ما خسرته الليرة من قيمتها الشرائية، وبعدما حلقت أسعار السلع الأساسية عاليًا في سماء الحاجة الماسة.

فإذا كان الأميركيون، ومعهم الأشقاء والأصدقاء، يسعون إلى محاصرة "حزب الله" وحشره في زاوية الضائقة الإقتصادية، فإنهم نجحوا في تفقير الشعب اللبناني المغلوب على أمره والواقع حجرًا بين شاقوفين، وهو الغارق في أزماته حتى أذنيه، مع تراجع واضح لنبض الشارع، الذي حاول بشتى الطرق كسر الطوق المحكم حول رقبته والساعي إلى تغيير الواقع من دون جدوى، إذ أن الحكومة الماثلة أمامه والممسكة بالسلطة بكلتا يديها ماضية في ما تراه مناسبًا غصبًا عنه، وهي تتخبط وسط بحر هائج ومائج من دون أن تجد وسيلة نجاة واحدة.

فالأزمة الراهنة أكبر من قدرات لبنان، الذي دخل نظريًا إلى نادي الدول النفطية، وأكبر من إمكانات حكومة الأمر الواقع، فيما الشعب عالق بين مطرقة الفقر من جهة وسندان الإستحقاقات الداهمة من جهة أخرى، يضاف إليها العجز في محاصرة فايروس كرونا، الذي بات يهدّد كل بيت من بيوت اللبنانيينن الذين يعانون الأمرّين.