أين أخطأ القطاع المصرفي؟

من المؤكد أن زلزالا سياسيا وماليا أصاب القطاع المصرفي اللبناني تحديدا، بصرف النظر عن الأزمة الكبيرة التي يعاني منها لبنان، ويقول بعض الأكاديميين إن هذا القطاع أصبح في حالة غيبوبة، وفقد المبادرة في السوق النقدية، ولولا وجود بعض القوانين الصارمة، لكانت الودائع في البنوك محل خطر داهم.

وإذا كنا لا نوافق على بعض الرؤى الراديكالية التي تتحدث عن انهيار القطاع، لكن بعض المؤشرات تبعث على القلق، وعلى أقل تقدير، فإن الأضرار التي لحقت بسمعة المصارف كبيرة جدا، واهتزت أسطورة الإبداع المصرفي اللبناني أمام المودعين اللبنانيين، وأمام المتعاملين معهم في الخارج.

لا يمكن القول إن الدولة مسؤولة بالكامل عما لحق بالقطاع المصرفي اللبناني، على شاكلة ما كان عليه الحال إبان أزمة بنك إنترا العملاق في العام 1966، لأن ما حصل مع إنترا كان اقتصاصا حكوميا مدعوما خارجيا استهدف تضخم حجم البنك وقوة رئيس مجلس إدارته يوسف بيدس الذي يحمل الجنسية اللبنانية ولكنه فلسطيني الأصل. بينما ما نشاهده اليوم ينم عن تخبط مصرفي واضح، وشجع على هذا التخبط وسط سياسي متآكل، وجشع.

وأثبتت الأيام أن أغلبية هذا الوسط السياسي لا تتمتع بكفاءة إدارية، أو أنها متواطئة لإيصال البلاد الى ما وصلت إليه، تمهيدا لتحقيق مآرب خاصة، وربما يكون أحد أهم هذه المآرب الانتقال الى وضعية لامركزية، أو أقله لامركزية مالية كان قد تحدث عنها أحد رؤساء الكتل أثناء مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة في مجلس النواب.

يمكن إيجاز مسؤولية جمعية المصارف عما جرى للبنوك اللبنانية بما يلي:

أولا: كان يمكن للمصارف رفع الصوت أكثر منذ أن بدأت المؤشرات المقلقة في العام 2017، كما كان عليها تحذير الطبقة السياسية من خطورة استمرار العجز في الموازنة العامة للدولة، خصوصا أن الاستدانة لتغطية هذا العجز لم تصرف على الإنفاق الاستثماري، كما حصل في تسعينيات القرن الماضي، حيث تم صرف ما يقارب 10 مليارات دولار على كل عملية إعادة الإعمار، وما يوازي 1.6 مليار فقط تمت فيها المصالحات وإعادة المهجرين وإنشاء بنى تحتية في بلداتهم، بل صرفت لتغطية عجز قطاع الكهرباء المتهالك، والذي كان يكلف الدولة ما يقارب ملياري دولار سنويا.

ثانيا: كان يجب على المصارف الاحتراس أكثر في تعاملها مع الدولة اللبنانية، لأن قانون النقد والتسليف يفرض على هذه المصارف الحصول على ضمانات لسداد أي دين تقدمه لأي كان بما في ذلك للدولة اللبنانية، وهذا ما لم يحصل، فالمستندات الائتمانية التي تملكها المصارف عن ديونها للدولة، هي عبارة عن اكتتابات مكفولة بقوة القانون، وليس لها أي مقابل مالي أو عقاري، مثلما يحصل مع المقترضين من القطاع الخاص. وهناك من يتهم البنوك باستسهال اللجوء الى تمويل الدولة، لأنها تستفيد أكثر من فوائد السندات المرتفعة.

ثالثا: لو خسرت المصارف اللبنانية مجتمعة مبلغ 5 مليارات دولار لتوفير السيولة للسوق بعد 17 أكتوبر 2019 وبالتالي الحفاظ على التوازن في الأسواق (وهي كانت تربح ما يقارب ملياري دولار سنويا وفق كشوفات2017) كان أفضل لها من ولوج حالة الهلع التي أصابت هذه الأسواق، وأدت الى زحف المودعين لسحب مدخراتهم، وبالتالي اهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني والذي تميز بالحفاظ عليها حتى خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008.

لكن الواضح أن خللا أصاب حاكمية مصرف لبنان من جراء الرعب الأمني الذي حل بالحاكم، وأشعر هذه المصارف بفقدان الغطاء عليها.

ليس سهلا على القطاع المصرفي اللبناني أن يعيش مثل هذه الأجواء القاسية.

فلم يسبق أن تم استدعاء رئيس جمعية المصارف والمديرين العامين للبنوك للمثول أمام المدعي العام المالي للتحقيق من قبل، كما لم يسبق أن خرجت أصوات تطالب بتأميم هذه المصارف للحفاظ على مدخرات المودعين كما يحصل اليوم