الغلاء في النبطية يُلهب جيوب الناس

جاء في "نداء الوطن":


لم تصل منطقة النبطية إلى برّ الأمان، على الرغم من أن لا إصابات كورونا في صفوف أهلها. صحيح أن الإجراءات المُتبعة حدّت من انتشار الخطر، وحالت دون وقوع المواجهة المباشرة مع الفيروس الخفي، غير أن ما تحتاجه المنطقة هو المزيد من فحوص الـpcr، وهذا ما يدعو إليه معظم العاملين في لجان خلايا الأزمة في القرى، لمعرفة حجم تمدّد الوباء الخفي.
لم يخضع أهالي القرى لفحوص كثيفة، وهذا ما يؤكد أن الوضع يكتنفه الغموض، وفريق الطبابة في قسم الكورونا في مستشفى نبيه بري الجامعي، يحضّ الناس على الخضوع للفحص، لأنه، وفق أحد الأطباء في القسم، "كلما ارتفعت نسبة الفحوصات، كلما تمكنّا من الوصول سريعاً الى برّ الأمان".. برأيه: "هذه الطريقة المثلى، وعلى الناس أن تتجاوب أكثر، وأن تأتي بأعداد كبيرة، لنتأكد أن لا كورونا بيننا".
بدأ المستشفى باستقبال فحص الـpcr تمهيداً لتطويق الوباء، ولكن من يطوّق كورونا الأسعار؟
يرسم كورونا خريطة جديدة للمجتمع، يُعيد ترسيم الحدود المعيشية والإقتصادية. مما لا شك فيه أن بلديات المنطقة فعلت فعلها، حلّت مكان وزارة الشؤون الإجتماعية وحتى وزارة الإقتصاد، المفترض أن تكونا الواجهة للدعم، قامت بدعم المتعففين من أزمة، أخطر ما فيها أنها تلقي بثقلها لتجويع الناس، وترمي بهم في التهلكة المعيشية. تجهد البلديات في إبعاد الخطر أميالاً بسيطة، لكن لن يكون بمقدورها الاستمرار في تقديم الدعم، فإمكاناتها محدودة، والأموال الموعودة لم تصل. بعض البلديات أعلنت إفلاسها قبل كورونا بزمن، وتعجز عن الدعم بالشكل المطلوب، لا حرج عليها. وبعض البلديات تبذل قصارى جهدها لتكون قريبة من الناس في أحلك ظروفهم.
سخّرت بلدية النبطية كل إمكاناتها لخدمة أهلها، لم تترك باباً للمساعدة إلا وفتحته. يحرص رئيسها الدكتور أحمد كحيل أن يكون سنداً لكل محتاج، يعوّل كثيراً على خطط البلدية المتسارعة. بحسب عضو المجلس البلدي محمد جابر، فإن "البلدية بدأت من ملف الاشتراك الكهربائي وانعطفت نحو الملف الغذائي والصحي، وتعمل اليوم على فتح سوق للخضار بأسعار مخفضة لمواجهة أسعار التجار اللاسعة". ويردف: "تجهد البلدية أن تكون داعمة للمحتاجين في هذه الظروف الحالكة، وفي تأمين ما امكن، ولو باليسير، من حصص تموينية وغذائية وغيرها".
أيقن كحيل أن مواجهة العدو الخفي صعبة ولكن ليست مستحيلة، فرتّب كل الخطط التي تدعم الناس، على قاعدة "أن صمود الناس في المنازل يُبعد شبح حرب كورونا عن المنطقة". من هذا المنطلق، يعمل كحيل وفريق عمله. وبحسب جابر "فإن البلدية تنكبّ على فتح سوق شعبي للخضار والفاكهة، ليتواءم مع إمكانات الناس، وهذا سيسهم في تمكينهم من شراء خضار رمضان التي عادة ما يرفع التجار سعرها في هذه الفترة، فكيف مع ارتفاعها الخطير هذه الأيام"؟
لا تهم المواطن السجالات السياسية الحاصلة، ولا المخططات التي يُراد منها تمزيق البلد، بقدر ما يريد ضماناً اقتصادياً لحياته. جُلّ ما يحتاجه أن يبقى أمنه الغذائي بأمان، يشعر أنه مهدد بلقمة عيشه، وأن الصراع اليوم يتمحور حول هذه النقطة، فالكل يستخدمه "كبش محرقة" لتمرير مخططاته، إن بأزمة الخبز المفتعلة والتي يراها المواطن لعبة شد حبال لتحقيق مكاسب للتجار على حساب الفقراء، أو لجهة الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي يرى بأنها لتجويعه أكثر. تتجسّد معاناة الناس أكثر في محال بيع الخضار، هناك تسمع تأفّف الناس، يسأل أحدهم عن سعر الحامض فيأتيه الجواب "4000 آلاف والبندورة بـ3000"، يقف أبو أيمن مذهولاً أمام الأسعار، إشتراها بنفسه قبل أيام بنصف سعرها اليوم، ما يخشاه الحاج الخمسيني أن تستمر موجة الغلاء على هذا النحو، "كيف سنتدبّر حالنا في شهر رمضان"؟
الأسعار توجع المواطنين، تجعلهم في مواجهة مباشرة مع التجار. تعتبر الخضار أكثر السلع طلباً هذه الأيام، فالمواطن لا يهتم لغير طعامه، فجاءته الضربة القاضية. يتجوّل محمد، الرجل الثلاثيني أمام بسطات الخضار، يلقي نظرة سريعة على الأسعار، يتأكد له أنها باتت أسعار "كلاس"، وفق توصيفه، بل يرى أن "محال الخضار باتت أسعارها سياحية، لا مكان للفقير داخلها"، و"الأسعار تتفاوت بين بسطة وأخرى، ويتراوح الفارق بين الـ1000 والـ3000 ليرة، بالرغم من أن المصدر واحد، ولكن الكل يجهد لتحصيل أرباح إضافية على حسابنا". ويأسف محمد لـ"غياب سلطة الرقابة، لو هناك فعلاً وزارة إقتصاد فاعلة، لكانت وضعت حدّاً لفلتان الأسعار، ولكننا في بلد "كل مين إيدو إلو".