حاولا إحراق نفسيهما في صيدا بسبب الدولار والضائقة المعيشية



كتب محمد دهشة في "نداء الوطن":
من حرقة قلبه على ودائعه، ومن قلّة الحلة، حاولا إحراق نفسيهما في صيدا. ليست حكاية من نسج الخيال، أو عنواناً للفت الإنتباه، بل هو مشهد حقيقي بنسخة مختلفة، بات يتكرّر بين الحين والآخر في صيدا وغيرها من المناطق اللبنانية، منذ بدء الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، حيث أصبح المواطن يئنّ تحت وطأة الفقر المُدقع والجوع، نتيجة الغلاء وارتفاع الاسعار والدولار، الى أن فقد الأمل بتأمين قوت يومه وباستعادة امواله من المصارف، مع القرارات التي تُمعن في حجزها، جهاراً نهاراً.
مع وصول وباء "كورونا" الى لبنان والذي زاد الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية حدّة وبطالة، ردّد بعض الصيداويين عبارة "بعدنا بالأول والجاي أخطر.. والحبل على الجرار". اعتقد الكثير، خطأ، انها مبالغة في التوقّع، ولكن كل يوم يمضي، يُثبت أنّ الأمور تتّجه نحو الأسوأ، من دون ان تلوح في الأفق بشائر الفرج. فمحاولة احراق (حسين. س) نفسه ليست المحاولة الأولى في صيدا، وقد لا تكون الأخيرة، إذ سبقه اليها شخصان، ضاق بهما الحال والعيش الكريم، فحاولا إضرام النار بنفسيهما في ساحة "النجمة" وسط المدينة، لعرض مطالبهما المحقة، والا فإن الموت أرحم.
محاولة حرق
وحسين من سكان منطقة الجية، عبّر عن غضب كل المودعين في المصارف، الذين باتوا غير قادرين على سحب ودائعهم بالدولار الاميركي، وانما بالليرة اللبنانية وبشكل "مقونن" ووفق "كوتا محددة" شهرياً. لم يتحمّل رفض إعطائه مبلغ الفي دولار من حسابه في فرع بنك "الاعتماد اللبناني" في صيدا، إذ ابلغه الموظف المسؤول انه لا يمكن صرفه بالدولار وانما بالليرة اللبنانية. فرفض حسين وأصرّ على طلبه الذي قوبل دائماً بقرار المصرف عدم صرف اي مبلغ بالدولار. فاستشاط غضباً، وسارع الى إحضار كمية من مادة البنزين، وسكبها على جسده، مُمسكاً بولاعة ومُهدّداً بإحراق نفسه. وبعد ابلاغ القوى الأمنية بالأمر، حضرت دوريتان من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وعملتا على تطويق المواطن الغاضب وسحب الولاعة من يده، ومن ثم اقتياده الى مخفر صيدا القديمة، حيث قام رئيس المخفر بتهدئته ومحاولة اقناعه بخطورة ما كان يُقدم عليه، وبعدما هدأ واقتنع، سمح له بالمغادرة.
ومحاولة ثانية
وبعد أقل من ثلاث ساعات، حاول الصيداوي سمير.ع إحراق نفسه مُجدّداً في شارع رياض الصلح الرئيسي في المدينة، حيث تتواجد المصارف ومحلات الصيرفة، احتجاجاً على تردّي اوضاعه المعيشية، من دون ان تلقى مطالبه آذاناً صاغية من المسؤولين لمعالجتها. وهي المرة الثانية التي يحاول فيها سمير، الذي يعمل كهربائي سيارات، إضرام النار بسيارته وبنفسه في صيدا، على خلفية تحرير محضر ضبط بحقه في بداية شهر نيسان الماضي، لانه فتح محله في بلدة عين الدلب - شرق صيدا ليأخذ منه بعض الأدوات ويذهب لاصلاح سيارة.إختراع فلسطيني
فلسطينياً، اخترع اللاجئ خليل العبد الله جهازاً حديثاً للتنفّس الاصطناعي بمواصفات عالمية، ولكن من صُنع محلّي بالكامل، وهو باكورة عمل، إمتدّ على مدى ثلاثة اشهر منذ بدء ازمة "كورونا" والحديث عن نقص حادّ في أجهزة التنفّس في لبنان، في مرحلة الخوف من انتشاره.
والعبد الله، البالغ من العمر 52 عاماً، هو ابن عين الحلوة، ويملك محلاً لتصليح الأجهزة الالكترونية في المخيم، بدأ تصنيع الجهاز منذ بدء "كورونا" وتسجيل أولى الاصابات في لبنان. وخلال مراحل تصنيعه، استشار عدداً من الممرّضين اولاً، ثم أطباء البنج، قبل ان يحصل على موافقة طبية مبدئية، من مجموعة من الاطباء الفلسطينيين العاملين في مستشفى "الهمشري" التابع لـ "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني" والاتحاد العام للاطباء والصيادلة الفلسطينيين في لبنان.
ويقول العبد الله: "إن مدة الاختراع دامت ثلاثة اشهر، لانني لم أجد ما احتاجه من قطع للتصنيع. كانت كل المحال مقفلة في مرحلة الحجر المنزلي التزاماً بقرار التعبئة العامة وحال الطوارئ الصحية، ما اضطرّنا الى صناعة بديل عنها يدوياً، كما يقال "من حواضر البيت"، وتكرار التجربة، الى أن نجحت وأخذت موافقة طبية فلسطينية بانتظار الدعم الرسمي".
ويؤكد ان "ميزات الجهاز كثيرة، ومنها انه يمكن حمله باليد بسهولة، واستمرار عمله من دون الحاجة الى الكهرباء لست ساعات، والأهم انه يُعطي انذاراً عن حالة المريض اذا استيقظ من الغيبوبة او عاد اليها، وفي كلا الحالتين يعمل تلقائيا ليضخّ الهواء ويراقب التنفس، مشيرا الى ان كلفته المالية ليست باهظة وانما الجهد الذي يبذل لصناعته".واكد العبد الله "سهولة صناعة الكثير منه، خصوصاً بعدما فتحت المحال التجارية أبوابها وبات بالامكان شراء كافة القطع التي يحتاجها"، مشيراً الى انه "يريد ان يكون هذا الاختراع انجازاً فلسطينياً باسم مخيم عين الحلوة وكل المخيمات، وعربون وفاء ومحبة للشعب اللبناني الشقيق الذي يضحّي بالكثير من أجل القضية الفلسطينية"، آملا في الوقت نفسه ان "يلقى الدعم الكامل من سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور ومن خلاله منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية والرئيس محمود عباس "ابو مازن".