فكر الإمام الصدر في الدستور اللبناني، ماذا عن ورقة عمل الإمام لعام 1975 ؟ ]


المحامي ضياء الدين محمد زيباره
المستشار القانوني للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى

" الغائب الأكثر حضوراً " جملة تُعَبّر عن القيمة الفكرية والإصلاحية الكبيرة للإمام ، التي ما زلنا وسنبقى ننهل منها ونُسلط الضوء عليها علّنا نعتمد فكره لإصلاح حالنا .

وفي هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الثانية والأربعين على التغييب ، لا بد من تسليط الضوء على فكره ورؤيته على مختلف الصعد .

ولجهة عنوان مقالنا هذا ؛

لم تأتِ وثيقة الوفاق الوطني وليدة ساعتها ولا هي نتاج فكري للنواب المجتمعين في الطائف ، إنما كانت حصيلة ما تمخضت عنه الحرب في لبنان من أفكار وتفاهمات ، أهمها أفكار الإمام الصدر سياسيا ووطنيا واقتصاديا التي تجلت في وثيقة الوفاق الوطني وأُدخلت في مقدمة الدستور اللبناني عام 1989 .

فقد كان للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولرئيسه المؤسس سماحة الإمام السيد موسى الصدر ، من خلال الوثيقة الهامة المؤرخة في 11/5/1977 والوثيقة التي تلتها في 27/11/1975 الأثر الكبير في ما تضمنته وثيقة الوفاق الوطني من إصلاحات ومسلمات وطنية ، ونلاحظ أن مضمون وثيقة الإمام أُدخل في وثيقة الوفاق الوطني حتى أن بعض العبارات تكاد تكون واحدة.

 
*جاء في وثيقة الإمام المؤرخة في 11/5/1975 *

"  في هوية لبنان ونظامه :

تجدد الطائفة الإسلامية الشيعية إيمانها بلبنان الواحد الموحد :

وطنا نهائيا بحدوده الحاضرة سيدا حرا مستقلا ".

*ورد في وثيقة الوفاق الوطني *

" لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات ، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دولياً ".

 
*أكمل الإمام في وثيقته ضمن البند أعلاه *

"- عربيا في محيطه وواقعه ومصيره ، يلتزم التزاما كلياً بالقضايا العربية المصيرية وفي طليعتها قضية فلسطين.

- منفتحا على العالم بأسره، يلتزم بقضية الإنسان، لأنها من صلب رسالتنا الحضارية.

- جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى مبدأ فصل السلطات، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، في نظام اقتصادي حر مبرمج ، ووفق تخطيط علمي انمائي شامل لمختلف الطاقات والاحتياجات والنشاطات في جميع المضامير، بلد الكرامة الانسانية والطموح الحضاري " .

*ورد في وثيقة الوفاق الوطني * في هذا الإطار :

" - لبنان عربي الهوية والانتماء ، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها ، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.

 - لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية ، تقوم على احترام الحريات العامة ، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل ".


*جاء في وثيقة الإمام *

"ثانياً : فيما لا يمكن القبول به :

-التقسيم تحت ستار لامركزية سياسية ايا كانت هيكليتها مع ترحيبها باللامركزية الادارية .

-التوطين مع التأكيد على الإلتزام بالعمل لاستعادة الشعب الفلسطيني حقه في وطنه .

- تشويه وجه لبنان الحضاري بتحطيم دوره العربي والدولي، أو بقطعه عن المد الحضاري الانساني، او بجره إلى محور سياسي عربي أو دولي .

*ورد في وثيقة الوفاق الوطني *

 " - لبنان عربي الهوية والانتماء ...،

 - ارض لبنان ارض واحدة لكل اللبنانيين ، فلكل لبناني الحق في الاقامة على اي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون ، فلا فرز للشعب على اساس اي انتماء كان ، ولا تجزئه ولا تقسيم ولا توطين ".

 
*على الصعيد الإقتصادي  *

*نصت وثيقة الإمام * على تشكيل المجلس الإقتصادي الإجتماعي ، وعلى إقرار سلم متحرك للأجور ، وعلى وجوب شمول الضمان الاجتماعي فئات الشعب كافة ، وعلى ضمان الشيخوخة والعجز وتطبيق ضمان طوارئ العمل والأمراض المهنية وتعويض المرضى ، وعلى إيجاد التسهيلات والمساعدات لإسكان المعوزين وذوي الدخل المتواضع والمحدود.

*تبنَّتْ وثيقة الوفاق الوطني * فكرة انشاء مجلس اقتصادي واجتماعي .

ونصت على :
" - الإنماء المتوازن للمناطق ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ركن اساسي من اركان وحدة الدولة واستقرار النظام.

 - العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الاصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي ".

 
 *على الصعيد القانوني* :

 
*جاء في وثيقة الإمام *

 " انشاء محكمة عليا من كبار القضاة متفرغة ، جميع افرادها قضاة مهمتها :

محاكمة الرؤساء والوزراء .

البت في دستورية القوانين .

البت في الطعون الانتخابية ".

*ورد في وثيقة الوفاق الوطني *

- يشكل المجلس الأعلى المنصوص عنه في الدستور ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء. ويسن قانون خاص بأصول المحاكمات لديه.

- ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية ".

إذاً ، وكما أوردنا في المقدمة فإن جملة من الإصلاحات التي وردت في وثيقة الإمام ، أُدخلت في وثيقة الوفاق الوطني ، وأضحت حركة أمل بقيادة الرئيس نبيه بري هي الأب والأم لوثيقة الوفاق الوطني التي أعلنت نهاية حروب اللبنانيين والغير على أرضنا .

وفي ملاحظة أخيرة يتبين أن وثيقة الإمام الصدر جاءت أكثر تقدما وانسجاما مع المواثيق الدولية من وثيقة الوفاق الوطني وأكثر تفصيلا ، ويصح إعادة إدخال مضمونها كاملا في الدستور اللبناني رغم مرور ثلاث وأربعين عاما على إصدارها ، ما يكرس الواقع المعلوم عن سماحته أنه ذو فكر عظيم ورؤية ثاقبة .