أبحث عن الحديد كل يوم لأبيع الكيلو بـ 200 ليرة...ولا أريد أكثر من الخبز لأسد به جوعي

بت "النهار" اللبنانية:
حاملاً كيسين فيهما بضعة كيلوغرامات من الحديد هما كل ما يملك، سائراً الى المجهول وباحثاً عن زرقه، حين التقيته على مسافة قصيرة من منزله، استوقفته لمعرفة قصة انسان أجبر وهو في الحادي والسبعين من عمره على العمل الشاق للحصول على قوت يومه... انه هاروت توخمنيان العجوز الذي علّمته الحياة من دروسها الكثير حتى بات ينطق حكماً يستفيد منها كل من يتسنى له سماعها.

عزّة نفس

خلف ملابس هاروت الرثة وتجاعيد وجهه التي فرضت نفسها عليه مع مرور الزمن وكفّيه الخشنتين ولحيته البيضاء التي اطلقها بعد ان تعدى حدود المظاهر وظهره المحني من هموم الحياة، عِبر كثيرة لا يتوقع غريب سماعها منه عند مشاهدته للمرة الاولى. سألته بداية عن وجهته وعن الكيسين الكبيرين اللذين يحملهما، وضعهما جانبا، قبل أن يفتح احدهما وفيه غاز صغير قديم، قائلاً: "ابحث عن الحديد كل يوم لابيع الكيلو بـ 200 ليرة، املك الآن نحو 10 كيلوغرامات ما يعني اني سأحصل على الفي ليرة عند بيعها، أنا أعمل طوال النهار لاؤمن كفاف يومي، لا اريد أكثر من الخبز لأسد به جوعي، وعلى الرغم من كبر سني وانحناء ظهري، ارفض أن امد يدي للناس متسولاً بل حتى آخر رمق من عمري سأبقى أعمل".
حكم في الصميم

في منزل صغير في النبعة ولد وترعرع هاروت، ذاكرته القوية عادت به الى قصص واحداث رواها له والده الذي كما قال: "قدم الى لبنان من تركيا عندما كان عمره 10 سنوات"، مشيرا الى بيته بالقول "هنا تاريخي وذكرياتي، هنا امضيت طفولتي، شبابي وعجزي، كل زاوية منه تعلم اسراري، فقد عاشت معي ضحكاتي وشعرت بدموعي واوجاعي". واضاف "يوميا عند انتهاء جولة عملي اقرأ الكتاب المقدس ووصايا موسى العشرة، التي للاسف لا يتم تطبيق ولو واحدة منها في زمننا هذا، فقد بتنا في ايام لا يحترم الانسان الا على ماله، فمقدار ما تملك هو مقدار احترامك، انها المصلحة بكل ما للكلمة من معنى