لولا النازحون السوريون لما كان 'سيدر'!

لم يطمئن المسؤولون اللبنانيون مما سمعوه من المبعوث الفرنسي المكلف الإشراف على حسن تنفيذ مشاريع "سيدر" بيار دوكان، وهو الذي وضع النقاط على حروف كل مشروع وارد في المؤتمر الاممي، والذي بدا من خلال ما طرحه أقرب إلى المدقق في كل شاردة وواردة، أكثر منه مشرفًا وناصحًا، وهو الذي شكك بأهلية الحكومة الحالية في السير بالإصلاحات المطلوب منها إنجازها، بالتوازي مع بدء التنفيذ والإلتزام بتقديم المساعدات، التي تبيّن للمراقبين أنها تصب في مشاريع معينة، من شأنها أن تنعش الحركة الإقتصادية لفترة محددّة، ولغايات غير معلنة بصراحة، وهي تهدف إلى تحسين البنى التحتية، كالطرقات والكهرباء والماء، وهي مشاريع، وفق بعض الخبراء في علم الإقتصاد، لن تؤّمن للبنانيين فرص عمل مستدامة، ولن تخفّف من حدّة البطالة، التي يشكو منها لبنان، والتي بلغت نسبة مرتفعة جدًا، وهي نسبة مخيفة، وبالأخص عندما تتحدّث الأرقام عمّا نسبته 35 في المئة، الأمر الذي من شأنه أن يزعزع الثقة بما يمكن أن تقدّمه هذه الحكومة للشباب، الذين أصبحوا يرفعون شعارًا مقلقًا، وهو: "من الجامعة إلى المطار".

وبمناسبة الحديث عن مشاريع "سيدر" يلاحظ المتابعون أن الدول المساهمة فيها إشترطوا أن تطاول فقط البنى التحتية دون سائر القطاعات، التي تحتاج إلى مساهمات فعلية، والتي من شأنها أن توفرّ فرص عمل جديدة، كقطاعي الصناعة والزراعة مثلًا، وهي قطاعات منتجة.
أما لماذا التركيز الأوروبي على البنى التحتية، فلأن هذه البنى بوضعها الحالي لم تعد تلبي متطلبات وجود مليون ونصف مليون نازح سوري موجودين على أرض لبنان، ناهيك عن تشغيل اليد العاملة السورية في هذه المشاريع الموضوعة أساسًا لتتناسب مع وضعية النازحين وبعض المهارات التي تحتاج إليها هذه المشاريع، وهي متوافرة لدى النازحين السوريين أكثر مما هي متوافرة لدى اللبنانيين، الذين كانوا يستعينون في الأساس، وقبل الأزمة السورية، باليد العاملة السورية للقيام بالأعمال نفسها الواردة في مشاريع "سيدر".

من هنا يذهب البعض إلى القول أنه لولا النازحون السوريون لما أبصر "سيدر" النور، وهو لا يحمل ما يعود بالنفع على لبنان سوى إسمه، وإستفادة بعض المؤسسات الكبرى، التي سيرسو عليها التلزيم، مع تفصيل دفاتر الشروط على مقاسها دون غيرها من المؤسسات.

وكما أبدت الدول الأوروبية حرصها على إستقرار لبنان وعدم إنخراطه بالحروب الدائرة من حوله، وذلك ليس ربما حبًّا بلبنان بقدر حرص هذه الدول على عدم تأثر النزوح السوري بأي خضّة أمنية تضطرّهم إلى التوجه نحو دول أكثر إستقرارًا، كما حصل في فترات سابقة عندما لجأت أعداد كبيرة من النازحين إلى دول أوروبية، كذلك تفعل اليوم من خلال "سيدر" لكي تؤّهل البنى التحتية الكافية لإستمرار إستيعاب لبنان هذه الأعداد الكبيرة من النازحين على أرضه.

إلاّ أن البعض الآخر يرى في مشاريع "سيدر" فرصة جديدة للبنان لإنعاش إقتصاده من جهة، ولتحسين بنيته التحتية، التي أصبحت مهترئة، مع ما يصحب هذه المشاريع من إصلاحات إقتصادية ومالية وإدارية مفروضة على لبنان كشرط إلزامي يتماشى مع متطلبات "العصرنة" والتطوير، ويتلاقى مع حملات مكافحة الفساد، التي لا تزال حتى هذه الساعة مجرد كلام.

فما بين أهداف "سيدر" الخفية ومصلحة لبنان خيط رفيع، وإن كانت النتيجة النهائية تحميل لبنان واللبنانيين ديونًا جديدة تضاف إلى ديونه القديمة، مع ما يرافق ذلك من خطط لإبقاء النازحين السوريين، حيث هم إلى أجل غير محدّد.