الشحن البحري بين المرفأ والاسواق اللبنانية:حركة ام إرباك

لما كان النقل البحري يشكل احدى اهم اوجه العمليات التجارية التي لها علاقة بالبلدان الخارجية، حيث ان موقع لبنان البحري يفسح امامه مجال الاستفادة من هذه الميزة.

ولما كانت هذه العملية تفترض استكمالا لها، هذا الاستكمال يتمثل بتوزيع البضائع المستورة على الاسواق اللبنانية الداخلية، فإن هذه العملية نفسها واستكمالها يصطدم بإشكاليات تحد من فعاليته في الكثير من الاحيان. ولعل أبرز هذه الاشكاليات، والتي هي موضوع طرحنا هنا، هي ارباك شبكة المواصلات الداخلية والتي اثبتت التجارب عدم قدرتها على التأقلم لعدة اسباب لا سيما تلك المتعلقة بطبيعتها، لذلك كان لا بد لنا ان نبحث في موضوع الكيفية التي تجعل من قطاع النقل هنا يتمتع بالمرونة اللازمة لتلقي انتقال البضائع المستورة والتي تتمثل وبشكل اساسي بإنشاء السكك الحديدية والتي اختبر لبنان تجربتها ولأول مرة عام 1890.

وبالعودة الى واقع النقل البحري يمكن اعتبار لبنان مرتبطا بشبكة النقل البحري العالمية حيث يتم النقل عبر خطوط بحرية منتظمة بواسطة حاويات على السفن.

ان البضائع التي تصل عبر وسيلة النقل البحري هي بضائع متنوعة كالمواد الغذائية، المواد الاولية، المفروشات وغيرها وهي تعكس النسبة المرتفعة لاستهلاك البضائع.

ان 35 %من البضائع تبقى لمدة اسبوع.

45%يجب ان تخلص في مهلة تتراوح بين 7-14يوم.

ما يقارب 20%من البضائع تبقى أكثر من 14يوم، وهنا فقد يكون السبب في ابقاءها طيلة هذه الفترة تأخر انجاز المعاملات الخاصة بها. وإذا ما اضفنا الى هذا التأخير تأخيرا ناتجا عن اشكاليات مرتبطة بوسائل نقل هذه البضائع فهذا سوف يعني مخالفة ما تتطلبه التجارة من مرونة وسرعة في انجاز العمليات.

ان الشركات التي تقوم بنقل هذه البضائع خارج المرفأ، وقبل خروج هذه البضائع تسارع الى تقديم عروض الخدمات والأسعار وهذا امر طبيعي ومشروع، الا ان المشكلة تتمثل في كون هذه الشركات تقوم بنقل هذه البضائع المستوردة بواسطة شاحنات، وهي وسيلة اثبتت التجارب انه ومن غير المناسب الاعتماد عليها، لان من شأن اعتمادها ترتيب نفقات اضافية على عاتق الدولة بسبب التلوث الناجم عن استخدامها وبسبب الاضرار التي تسببها للطرقات وكذلك الاضرار المادية وغير المادية الناجمة عن الحوادث التي تسببها. ما الاهم فهو التأخير الذي يؤدي الى عدم إيصال البضائع في الوقت المناسب.

ومقابل هذه الارباكات التي تحدثها وسائل النقل هذه، تبرز اهمية طرح موضوع اعتماد السكك الحديدية كوسيلة نقل بديلة وذلك لاعتبارات عدة سوف نتناول تعدادها في السياق نفسه.

ان الحرب اللبنانية قد اوقفت الاستمرار في نقل الركاب بواسطة السكك الحديدية، الا ان نقل البضائع استمر رغم ذلك وحيث شكلت هذه السكك الحديدية مرفقا حيويا اثبت قدرته على تحقيق سهولة في حركة انتقال البضائع لا سيما من المرفأ المراد استلام البضائع منه الى الداخل.

وبالنظر الى تجارب الدول التي اعتمدت وسيلة النقل هذه فإنه بالإمكان تبيان اهمية هذه الاخيرة وذلك من خلال نقاط عدة:

1-ان اعتماد هذه الوسيلة من شأنه ان يؤمن السرعة المطلوبة في نقل البضائع الى الاسواق الداخلية مقارنة مع استخدام الشاحنات.

2-ان هذه الوسيلة تعتبر خدمتها متدنية الكلفة مقارنة مع كلفة النقل البري المؤمنة بواسطة استخدام الشاحنات.

3-ان هذه الوسيلة بإمكانها الحد من استخدام الطاقة، وهي بذلك تعتبر من الوسائل الملائمة للحفاظ قدر المستطاع على بيئة نظيفة من التلوث وهذا الامر لا يتحقق مع استخدام الشاحنات..

4-ان معدلات الحوادث التي تترافق مع استخدامها هو اقل بكثير من تلك المقدرة عند استخدام الشاحنات المحملة بالبضائع.

5-ان قدرة هذه الوسيلة على استيعاب كميات كبيرة من البضائع هي كبيرة مقارنة مع حمولة الشاحنات المحدودة. وهنا تجدر الاشارة الى ان عدد الشاحنات مازال يتجه نحو الارتفاع، وكل ذلك تلبية لمتطلبات الزيادة في عدد الشحنات التي تدخل الى المرفأ والتي يجب ان تتجه الى الاسواق الداخلية.

ولكن رغم كل ما ذكرناه هنا، ما زالت التساؤلات قائمة حول مدى قدرة هذه الوسيلة على دعم السياسات العامة للدولة لا سيما تلك الاقتصادية والاجتماعية.

الواقع ان العوائد المباشرة لهذا المرفق وان كان من الصعب تلمس نتائجها، الا انه بالإمكان التأكيد بأن هناك عوائد غير مباشرة متمثلة بعدة نقاط يمكن تتبع أثرها من خلال العلاقة بين قطاع النقل المعتمد والنمو الاقتصادي وكذلك بينه وبين التنمية الاقتصادية. أضف الى ذلك العلاقة بين قطاع النقل وموضوع التغير المناخي حسبما جاء في احدى التقارير الصادرة عن الامم المتحدة مما يعني في نهاية الامر ان اعتماد وسائل نقل معينة سوف يكون له تأثيرات مغايرة لا سيما على نلك النقاط السابقة الذكر.

وهكذا فلو تناولنا موضوع السكك الحديدية فإن اعتمادها سوف يؤمن ربطا للمناطق اللبنانية وبالتالي سوف يفعل الحركة التجارية خاصة ان عامل سرعة انتقال البضائع مع هذه الوسيلة. سوف يكون مؤمنا، كما انه سوف يخفف من الاعباء المترتبة على المواطن من جراء كلفة النقل وسوف يقلص من نفقات الدولة التي تعتمدها عادة لشق الطرقات وانشاء الأوتوستراد.

وفي الخلاصة يمكن القول بأن الحكومة مدعوة اليوم لمعالجة ملفات شائكة وعالقة في ادراج الدولة وهي في الكثير منها نراها مرتبطة بشكل او باخر بقطاع النقل العام الذي يعتبر قطاعا حيويا وبالتالي يجب ايلاء وسائله الأهمية الكبيرة. من هذه الملفات نذكر ملف التلوث، ملف الهجرة الداخلية نحو المدن بسبب البطالة الناتجة فقدان التنمية في العديد من المناطق.

ان اعتماد السكك الحديدية لنقل البضائع هو مرحلة اولية يجب استكمالها بمرحلة اخرى يتم من خلالها نقل الركاب امام وجود صعوبات مازال قطاع النقل المشترك يعاني منها. من هذه الصعوبات عدم وجود خطوط كافية تلبي حاجات المواطنين، او لعدم انتظام هذه الخطوط والتزامها بمواعيد دقيقة ….

ان الدولة مدعوة اليوم لنشر ثقافة اهمية النقل العام وضرورة اعتماده، اذ ان الإحصاءات الاخيرة قد اظهرت ازدياد عدد الاليات السياحية بشكل يفوق التوقعات.

ان اعتماد السكك الحديدية سوف يترك أثره الايجابي لاسيما على صعيد المجتمع اللبناني، من الناحية الاجتماعية خاصة عندما تستكمل مراحل نقل السكك الحديدية ويصبح التواصل بين المناطق اللبنانية سهلا. ليس هذا فحسب فسوف يكون لهذا الامر تأثيرا على القطاع السياحي حيث يتم تخفيف معاناة السائح الذي يقصد لبنان بهدف التعرف على مناطقه ومعالمها الاثرية.

للي راجح – الخبر أونلاين