كان لافتًا خلال إستعراض رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركيّة إليزابيت ريتشارد الأوضاع العامّة في لبنان والعلاقات اللبنانيّة الأميركيّة، قيام رئيس الجمهوريّة بتسليم السفيرة الأميركيّة التي زارته في قصر بعبدا، أفكارًا لآليّة عمل خاصة بترسيم الحُدود البحريّة الجنوبيّة. فهل من خرق قريب في هذا الملفّ؟.
تذكير بداية، أنّ العُقود القليلة الماضية شهدت أكثر من مُحاولة لترسيم الحدود بشكل جدّي، ومنها مثلاً ما إصطلح على تسميته "الخطّ الأزرق" في أعقاب إنسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000 نتيجة غياب حُدود برّية مُعترف بها رسميًا بين لبنان وإسرائيل، ومنها كذلك الأمر القرار رقم 1701 الذي صدر في العام 2006 ليضع حدًا لحرب تمّوز آنذاك. وفي الماضي القريب، وتحديدًا إعتبارًا من العام 2002 وحتى تاريخه، جرت مُحاولات عدّة لترسيم الحُدود البريّة والبحريّة أيضًا، بعد بُروز حُقول النفط الموعودة في البحر الأبيض المتوسّط، علمًا أنّ مساحة المناطق المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل عند الحُدود البحريّة الجنوبيّة، شاسعة، وهي مُقدّرة بما لا يقلّ عن 860 كيلومترًا مربّعًا، وتشمل كلاً من الكتلتين 8 و9 بحسب الترقيم اللبناني للبلوكات النفطيّة والغازيّة في مياهه.
ومن الضروري الإشارة أيضًا إلى أنّ من شأن الترسيم البرّي أن يُثبّت حُقوق لبنان في مياهه الإقليميّة، باعتبار أنّ الترسيم البحري يستند بالدرجة الأولى إلى الحُدود البريّة لكل دولة، ما يُعطي المسألة أهميّة مُضاعفة، باعتبار أنّ بعض بلوكات النفط والغاز المُكتشفة تقع في مناطق حسّاسة جغرافيًا بين لبنان وإسرائيل، وهذه الأخيرة تدّعي أحقّيتها في التنقيب فيها وفي إستخراج المُشتقّات الحيويّة منها، الأمر الذي يُحتّم على لبنان حفظ حُقوقه سريعًا في هذا الملفّ أمام المراجع الدَوليّة المعنيّة. أكثر من ذلك، إنّ إثبات ملكيّة لبنان لمزارع شبعا التي تقع جغرافيًا في منطقة تلاقٍ بين كلّ من لبنان وإسرائيل وهضبة الجولان السوريّة المُحتلّة، يستوجب الإسراع في ترسيم الحدود، وتحديد خريطة لبنان بشكل دقيق ورسمي ومُعترف به دَوليًا، لمنع إسرائيل التي تحتلّ المزارع من إستغلال هذه الثغرة لمُحاولة فرض إحتلالها كأمر واقع، خاصة وأنّ منطقة الشرق الأوسط مُقبلة على توتّر كبير ومجهول النهاية، بمُجرّد إعلان ما إصطلح على تسميته "صفقة القرن"، أو التسوية الأميركيّة للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي المُزمن.