خفايا أخطاء موكب الغريب… تنسف نظرية المكمن




مهمة المواكب الأمنية ليست سهلة، فبالرغم من أنها تشكل ضمانة المسؤول وحمايته، إلا أنها قد تكون سبباً في إشعال “حرب أهلية” مصغّرة. وحادثة “الجبل” خير دليل على ذلك. وبينما تبنّى الفريق الحليف لـ”الحزب الديمقراطي” نظرية نصب “مكمن مزدوج” للوزيرين صالح الغريب وجبران باسيل، يحمّل جمهور “التقدمي الاشتراكي” المسؤولية لموكب الغريب، متهمين مرافقيه ببدء إطلاق النار لفتح الطريق. فكيف تُقرأ هذه الحادثة أمنياً؟
المكان: البساتين قضاء عاليه. الزمان: الأحد 30-06-2019. الواقعة: تجمّع أهالي بلدة البساتين (قضاء عاليه) تنديداً بزيارة باسيل الى قريتهم، بعد شعورهم بالاستفزاز من قبله. أقفلوا الطريق بمستوعبات النفايات، وقطعوا الطرق. وصل موكب الوزير الغريب، وترجّل مرافقوه مطلقين النار على الناس العزّل لفتح الطريق، على طريقة السبعينات من القرن الماضي خلال الحرب المشؤومة. وفي طريق انسحاب الموكب أصيب عدد من المواطنين بينهم “سامو سلمان غصن” عبر طلق ناري في رأسه، لتسفك بعدها دماء مرافقين من موكب الوزير الغريب، بعد تجمّعهم في زقاق ضيق، وهي رواية قريبة من بيئة “الإشتراكي”.

التحليل الأمني

“تعتبر الحادثة، سوء تقدير من المسؤولين عن موكب الوزير الغريب، وتدل على غياب الخبرة في هكذا حالات، لأن ما حصل كاد أن يأخذ البلد الى كارثة حقيقية”، هكذا حلل الحادثة الخبير في المواكبة وحماية كبار الشخصيات المجاز من الولايات المتحدة والأكاديمية الأوروبية للأمن “E.S.A”، بيار جبّور، وشرح لـ”نداء الوطن” أنّه “يوجد مبدأ عام في علم المواكبة، يرتكز على إخلاء الشخصية وعدم تعريضها إلى الخطر من كل المستويات. وتظهر الفيديوهات والصور التي انتشرت من مكان الحدث، نسبة الإصطدام العالية نتيجة الإحتقان السياسي الذي سبق الحادث، لا سيما مع السخط الواضح بين الأهالي عند قطعهم الطريق. ولو تمتّع موكب الوزير الغريب بالعلم الكافي، مع التشديد على هذه النقطة، إنطلاقاً من أنّ المواكبة وحماية الشخصيات علم بحد ذاته وليس استعراضاً دعائياً، كان يتوجب على المفرزة السبّاقة (السيارة الأولى)، أن تُعلم آمر الموكب بأنّ الطريق مقطوع، وبوجود خطر على الشخصية”.
وأضاف: “كان يجب أن يقوم آمر الموكب بتقدير موقف سريع، وأن يأخذ طريقاً آخر. إلّا أنّ هذا لم يحصل، فدخل الموكب كله في منطقة الإشكال مع الأهالي، ما عرّض الوزير للخطر وانتهك مبدأ حماية الشخصية، لا سيما عندما أطلق المرافقون النار، ما أنتج نيراناً معادية أصابت عنصرين من الموكب وقتلتهما. مع الإشارة، الى أنّ إطلاق النيران من الجانب فقط من دون أي جهة أخرى، (بحسب ما تظهره الصور)، يدل على خطأ حصل خلال هذه العملية، ويتمثل بإمكانية أن تكون النيران الصديقة (أي نيران مواكبة الغريب) مسؤولةً عن إصابة سيارات الغريب”.
أمّا عن نظرية “المكمن” و”محاولة الإغتيال”، فيقول جبّور إنها “لا تصحّ أبداً، ولو كانت هذه المعطيات صحيحة، لكان أبيد الموكب أو رشق بالحجارة أقله، خصوصاً بعد توقّفه على مقربة من مكان الحادث”.



أخلاقيات الموكب

لا يمر يوم إلّا ويصادف اللبناني موكباً أمنياً لشخصيات سياسية على الطريق، والسؤال الذي يطرحه الجميع: هل يحقّ للموكب القيادة بسرعة جنونية تهدّد حياة الناس، وماذا عن أخلاقيات المواكبة؟ يجيب جبّور: “تتخذ تشكيلات الموكب أنواعاً متعددة بدءاً من سيارتين الى عدد غير محدد من السيارات، وفقاً للشخصية ونسبة الخطر المحدق بها، ومركزها السياسي وقدرتها اللوجستية. يسير الموكب بشكل أحادي من دون إفساح المجال لدخول السيارات بينه، شرط عدم التعرض للغير، بل تكتفي سيارة المقدمة بتنبيه السائقين بإحترام، لإفساح المجال لمرور الموكب. ولكن في حالات الخطر، وإذا تعرّض الموكب لإطلاق النيران مثلاً، يلجأ تلقائياً الى تشكيلات معينة، محاولاً قدر المستطاع عدم تعريض المواطنين للخطر، وهذا يتطلب سائقين متخصصين في قيادة سيارات المواكبة التي تختلف كثيراً عن قيادة السيارات العادية. كذلك، لا يحق لموكب أي شخصية وضع حياة الناس على المحك، وتهديد الأمن الوطني لمجرد الشك، واستعمال القوة القاهرة تكون عند تحديق خطر فعلي. إلّا أنّ عدم المعرفة والأهلية، وعدم وجود قوانين تنظم هذا العمل، يسبب الكثير من المشكلات التي نسمع عنها بين الفترة والأخرى في لبنان”.

حاصباني: للإبتعاد عن المبالغة

تتنقل غالبية من يتعاطى بالشأن العام، والسياسيون تحديداً بواسطة مواكب أمنية، وليس في لبنان فحسب، بل في العالم أجمع. ورأى نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، في حديث لـ”نداء الوطن” أنه “في بلد أوضاعه الأمنية دقيقة كلبنان، تعتبر المواكبة أساسية، ويرتبط مبدأها بالأمن مباشرةً، بعيداً من أخلاقيات المسؤول أو شعبيته”. وأضاف: “موكب ضخم أو بسيط، واضح أو متخفٍ، لوحات معروفة أو مجهولة، طريقة القيادة…كل هذه التفاصيل يقررها المسؤول الأمني المولج حماية الشخصية بحسب المعطيات الأمنية المتوافرة والمعطيات البروتوكولية والعملية. وأنا شخصياً لا أتدخل بقرارات الفريق الأمني الذي يرافقني كي لا أؤثر على أدائه، فلست خبيراً بهذا الموضوع، لكني أفضل الإبتعاد من المبالغة أو الإستخفاف على حدٍ سواء”.
وعن مواجهته لأي إشكال أو حادثة قد تعرض لهما خلال تنقّل موكبه، أشار الى أنّه “في بعض الأحيان، لا يعرف المواطن أنّ المواكبة علم وليست “بهورة”، ففي إحدى المرّات، وبينما كنت أمثل رسمياً رئيس الجمهورية، أطلق موكبي “الزمور” للمرور، فانزعج البعض منه. وفي مرّة أخرى تعرّض الموكب الى عملية تشويش، “فحاشرت” سيارة مواطن موكبنا”