السلطة في "كوكب آخر".. والمواطن سيدفع ثمناً باهظاً!

الإنفجار يوشِك أن يحصل، ووجع الناس مُتزايد، وما يفوق ذلك وَجعهم من السلطة الحاكمة، التي تبدو مهاجرة وتعيش في كوكب آخر، مستقيلة من مسؤولياتها ومن أبسط واجباتها، وتعطي أذنها الطرشاء لصرخات الناس، فلا تسمع سوى ما يُدغدغ مصالحها وجيوبها ويحمي محمياتها، وامّا الناس فليجرفهم الطوفان مع لقمة عيشهم وقوت أبنائهم.

ولعل الصورة التي رَسمتها التحركات في الشارع أمس، عبّرت، ولَو بشكل خجول، عمّا يختلج في نفوس اللبنانيين من وجع، وجاءت على شكل إنذار مُبكر على ما قد سيحصل في مواجهة المسبّبين بهذا الوجع، فإنها في دولة تحترم نفسها، يفترض أن تجعل القيّمين عليها والمتنعّمين بملذاتها، يغادرون صالوناتهم الفخمة، وينزلون الى الناس لتَحسّس وجعهم، ولكن ما يدفع الى الاسف انه مع هذه السلطة الحاكمة لا حياة لمَن تنادي.

الى ذلك، الوضع الداخلي لا يبشّر؛ سعر الدولار في السوق الرسمية ثابت، لكنه غير متوافر سوى على الورق، في حين أنّ سعره في سوق الصيرفة يواصل الارتفاع، ومن غير الواضح السقف الذي سيبلغه، والمعطيات تشير الى انّ هذه السوق ستصبح سوقاً رديفة دائمة، وسيكون السعر الفعلي للدولار هو السعر القائم في السوق.

النزول الجزئي للمواطنين الى الشارع أمس، واللافت فيه عدم المشاركة الحزبية سواء الموالية او المعارضة للحكومة، وشَملَ مناطق في بيروت وتحديداً في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت وبعض الطرقات المؤدية اليها، وايضاً مناطق في البقاع والشمال، وترافقَ مع محاولة قطع طرقات وحرق إطارات.


واذا كان النزول الى الشارع يشكل رداً غاضباً على تَردّي الاوضاع، الّا انّ لغة الشارع هي الأصعب ويمكن ان تَجرّ الى فوضى غير محسوبة، قد تستحيل معها قدرة الامساك بالوضع ومنع انحداره الى منزلقات خطيرة، خصوصاً اذا ما جرى استغلالها من قبل بعض الخبثاء لأخذ الامور في الاتجاه الذي يخدم الفتنة.

وبالتالي، تستطيع الناس ان تسمع صوتها، ولكن ليس بالتكسير والتحطيم وإغلاق الطرقات وشَلّ البلد، والسلطة وحدها مسؤولة عن منع الانهيار، الا اذا أصَرّت على ان تبقى مقيمة خارج حدود المسؤولية ومستوطِنة، بإقامة دائمة، في مستعمرة العَجز.

على أنّ الايام الآتية لا تبدو انها قد تحمل ما يُطمئِن، بل ثمة إجماع لدى الخبراء الاقتصاديين على انّ الصورة قاتمة، ويُخشى ان تحمل ما قد يكون موجعاً أكثر للمواطنين. خصوصاً انّ ارتفاع سعر الدولار سيؤدّي حتماً الى ارتفاعات متتالية في أسعار الاستهلاك.

ومن خلال القرار الذي سيتخذه مصرف لبنان غداً، وما قد يقرّره لاحقاً، تشير التقديرات الى انّ المواد التي سيشملها المركزي برعايته (المحروقات والطحين والدواء حتى الآن)، هي المواد التي سيصبح سعرها ثابتاً، في حين انّ كل المواد الاستهلاكية الاخرى سوف ترتفع اسعارها تماهياً مع سعر الدولار في السوق الرديفة، وهذا يعني انّ القدرة الشرائية للمواطن سوف تبدأ بالتآكل، بالنسبة نفسها التي سيرتفع فيها الدولار.

وعندها، سيشعر المواطن بثِقل الأزمة، وماذا يعني القول انه سيدفع ثمناً باهظاً لاستمرار الأزمة يفوق بأضعاف الثمن الذي قد يدفعه في حال تمّ اتخاذ اجراءات موجِعة وواكبتها إجراءات إصلاحية لخفض منسوب الفساد.