الرئيس بري: نحن في “التايتانيك”

بعد تطيير “ليلة الحلم الحكومية” للوزير السابق محمد الصفدي واشتعال حرب الردود بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، يخلص الرئيس نبيه بري هذه المشهدية الحزينة على خط التأليف بأنها في “جمود تام”، وهو في الانتظار الى ان تولد مستجدات جديدة في اي لحظة.
ويرى “أن الامور حتى الآن تراوح مكانها من دون تقدم”.
ويحذر من سياسات التحديات لأن البلد لم يعد يتحمل.
لا أحد يحسد الصفدي على ما تعرض له في الايام الثلاثة الاخيرة، إذ منعته مسائل عدة من الانضمام الى نادي رؤساء الحكومة، بعدما تبين أن فرسانه لا يرغبون في انضمام الرجل اليهم، ما عدا الرئيس سعد الحريري. ولم يعلنوا معارضتهم لشخصه فحسب، بل ما زالوا يرون ان هذه المرحلة لا تستدعي الا وجود الحريري لاعتبارات سياسية عدة، إضافة الى أمور تخص السنة ومن يمثلهم في الرئاسة الثالثة.
ولم يقصد الحريري حرق الصفدي – الذي سيزور القاضي علي ابرهيم اليوم- بل كان مصمماً على إيصاله الى رأس السلطة التنفيذية وحلوله في السرايا، وهذا ما حاول العمل عليه وتسويقه مع “الثنائي الشيعي”، ولا سيما أنه يحظى بتأييد من الرئيس ميشال عون وقبول باسيل.
وكان الصفدي قد طلب من الحريري ان يصدر بياناً يعلن فيه دعمه الواضح له، ويؤكد غطاء رؤساء الحكومة السابقين ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ولم يقدم الحريري على ذلك، بل اكتفى بتأكيد وعده الكلامي امامه ومع المعنيين الآخرين.
وبعد تحييد الصفدي من هذا السباق، بات من الصعب على الحريري العثور على اسم سني يتولى هذا المنصب وسط تلقي زعيم “تيار المستقبل” سيلاً متواصلًا من التأييد لعودته وتسلمه زمام أمور الحكومة والانطلاق بها وسط جملة من التحديات المالية والاقتصادية.
ومن يطلع على بعض التقارير من كبار المعنيين وقراءاتهم يدرك أن المشهد الاقتصادي لا يبشر بالخير إذا استمر التأخير في التكليف والتأليف، وان الانهيار الكبير أصبح على الابواب ما لم يتم تدارك هذا الخطر الداهم وسط تمسك الشارع بمطالبه.
وثمة مرجع يستغرب استمرار إقفال المفاصل والتضييق على المواطنين وحياتهم اليومية.
ولم يكن من المستغرب هنا تمسك الرئيس بري بخيار الحريري رئيساً للحكومة لمواكبة الوضع الراهن والحساس والذي بلغ حدوداً خطيرة يجب تداركها في أسرع وقت.
ويشبه بري وضع اللبنانيين بركاب سفينة “التايتانيك” الشهيرة وهي تغرق شيئا فشيئا، وإذا لم يقم الجميع بالاجراءات السريعة والازمة فسنغرق جميعا.
ولا يختلف هذا الموقف عما أسمعه الرئيس نجيب ميقاتي للحريري وتأييده له: “لن تبقي حجراً واحداً في البلد إلا وسنهدمه، في حال تشبثك بقرار عدم عودتك الى الحكومة”.

في غضون ذلك، ثمة من يعتقد أن الحريري مجبر على خيار عدم قبوله بتسلم الحكومة، وان من أجبره على الاستقالة في الرياض في حكومته ما قبل الاخيرة يمارس الامر نفسه هذه المرة.
وليس خافيا هنا أن سياسة باسيل حياله وتماديه في أكثر من قرار في الحكومة المستقيلة وسط تساهل الحريري معه دفعت “التيار الوطني الحر” الى السيطرة على زمام السرايا والقرارات الكبرى.
ولم يستطع الحريري التفرج على هذه الانهيارات التي طاولت بيئته السياسية، فكان قرار الاستقالة مصحوباً بصرخات الحراك ودخوله بقوة على اللوحة السياسية.

ويرى المؤيدون للحريري ان لا مفر من تسميته، وان عليه ان يعرف ان البلد يتجه نحو موجة من الخراب، مع الاشارة الى ان الوضع الاقتصادي أصبح في منتهى الخطورة، وان “هناك جريمة ترتكب في حق الوطن إذا تم الاستمرار على هذا المنوال”.
والواقع أن إمكان عودة الحريري الى ترؤس الحكومة لا تزال متاحة، لا بل في مقدم الخيارات، من دون أن يعني الامر ان طريقه معبدة بالورود.

وبالعودة الى الصفدي، فقد كان الحريري يجهز له كل العوامل المساعدة لهذه المهمة الشاقة. ولم يقتصر اجتماعه مع الوزير علي حسن خليل والقيادي في “حزب الله” حسين الخليل على الاكتفاء بالقبول بالصفدي مساء الخميس الفائت، بل جرى وضع جملة من النقاط تمت كتابتها.
وتناولت شكل الحكومة التكنو – سياسية اضافة الى عملية توزيع الحقائب على الافرقاء ومشاركة “المستقبل” في صفوفها، وصولاً الى البيان الوزاري وإعادة النظر في قانون الانتخاب.

وركز الحريري في جلسته مع الخليلين على تعهد منهما بعدم المس بمواقع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزاف عون والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان.
وكان ممثلا “الثنائي الشيعي” قد التقيا الصفدي بعد جلستهما مع الحريري، ولم تكن الامور واضحة عنده، لذلك اتخذ الرجل قراره بالاعتذار عن هذه المهمة ولا سيما بعد تلقيه “لا ثقة” من الشوارع والساحات وخصوصا من مسقطه طرابلس.

وعلى سيرة الشارع، سمعت ثلاث سفيرات اوروبيات ملاحظات قاسية من مرجع بعدما طالبوه بضرورة أن تكون السلطات الامنية رؤوفة مع المتظاهرين، فرد عليهن بغضب بأن لبنان لا يريد دروسا في مواكبة التظاهرات في الشارع “وأنظرن اولاً الى ما يحصل في عواصمكن وطرق تعاملكن مع المتظاهرين