صفقة” تحرير عامر فاخوري.. تجميد عقوبات أميركيّة!

لينا فخر الدين

معظم الجلسات القضائيّة في محاكم لبنان مُعطّلة بسبب فيروس “كورونا”. وحدها المحكمة العسكريّة في العاصمة بيروت، قرّرت أن تواجه قرار الحكومة اللبنانية بالتعبئة العامّة ضد “كورونا”، لتلتئم برئاسة العميد حسين عبدالله وتُصدر قراراً بكفّ التعقّبات عن الموقوف عامر فاخوري المتهم بالتعامل مع إسرائيل في أثناء احتلالها للجنوب اللبناني، وإشرافه شخصيا على تعذيب أسرى لبنانيين في معتقل “الخيام”، وذلك بحجّة “مرور الزمن”!

هكذا إذاً، صار عامر فاخوري “جزّار الخيام” بريئاً بــ”شحطة قلم”. هو لم ينتظر كما باقي الموقوفين سنواتٍ من “الأخذ والردّ” بين التوقيف الإحتياطي والمحاكم قبل إثبات براءته. ولم يعانِ، كزملائه الموقوفين، من مشقّة الإحضار من مقرّ توقيفه إلى المحاكم “كلّ سنّة مرّة”. إذ منذ أنّ تم توقيفه والرّجل يقبع في المستشفى بذريعة إصابته بمرض بسرطان الدم. أكثر من ذلك، أتى “حكم البراءة” قبل شهرٍ من موعد جلسته العلنيّة الأولى أمام المحكمة العسكريّة في 16 نيسان/ابريل المقبل.

انتظر العديد من اللبنانيين، وبعضهم ممن تضرر مباشرةً من أعمال “جزّار الخيام”، أن ينال الرّجل العقاب الذي يستحقه. أن يُلف حبل المشنقة رقبته، أو على الأقلّ أن يقضي بقيّة حياته في زنزانةٍ كتلك التي كان مسؤولاً عنها في معتقل الخيام إبّان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني (1978ــــ 2000). ويوم أصدرت قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا قرارها الظني بحق فاخوري، بكى الأسرى المحررون طويلاً وتقبّلوا التّهاني عند باب المحكمة العسكريّة، منوّهين بالقضاء غير المُسيّس.

اليوم (الإثنين)، إنقلب المشهد رأساً على عقب. الأسرى المحررون تداعوا من جديد إلى “العسكريّة” ولكن هذه المرّة للتعبير عن غضبهم ممّا أسموه “رضوخ المحكمة العسكرية للإملاءات الأميركيّة”، كما يقول الأسير اللبناني المُحرّر نبيه عواضة، مضيفاً “لكأنني وقعت في الأسر مرة أخرى. كيف لجزار عميل أن يكون حرا”؟

هل يحطّ فاخوري في الولايات المتحدة قبل توقيف الملاحة الجويّة؟

“رائحة سياسية” للقرار!

يشتمّ المتابعون لملف عامر الفاخوري “رائحة سياسيّة” من قرار المحكمة، إذ لا يمكنهم النّظر إليه بـ”حُسن نيّة”، راسمين أكثر من علامة استفهام حول هذا القرار الذي أتى قبل يومين من توقيف الملاحة الجويّة في مطار بيروت الدولي، ما يسمح للفاخوري بالسفر إلى الولايات المتحدة، على الأرجح، قبل يوم الأربعاء المقبل. أكثر من ذلك، فإنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي بيتر جرمانوس أطلق يديْ هيئة “المحكمة” لتنفيذ القرار، بعدما رفض استئنافه ضمن المهلة القانوينة، حتّى قبل علمه بمضمونه!

يشير وكيل الدّفاع عن الأسرى المحررين المحامي حسن بزي بأنّ “هذا القرار ليس قانونياً، خصوصاً أنّ لبنان من البلدان الموقعة على معاهدة مناهضة الجرائم ضدّ الإنسانيّة والتعذيب والتي تؤكّد أنّ هذه الجرائم لا تسقط بمرور الزمن، وقال لموقع (180) إنّ المعاهدة أعلى من القانون في تطبيقها في المحاكم.

أميركا: العقوبات أو فاخوري

كلّ ذلك يشي أنّ تدخّلاً سياسياً أفضى إلى قرار المحكمة العسكرية اللبنانية. وبالتالي، فإنّ الأصابع تشير حتماً إلى الولايات المتحدة التي يحمل فاخوري جنسيّتها، وكان يعيش فيها لأكثر من 20 عاماً قبل توقيفه في لبنان. وما يعزّز هذه النظريّة هو أنّ كلّ المسؤولين الأميركيين الذين زاروا لبنان في الأشهر الأخيرة، كانوا يحملون في جعبتهم “ملف عامر الفاخوري”. ومن بين هؤلاء مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الذي فاتح في زيارته الأخيرة إلى لبنان في تموز/يوليو الماضي وزير الخارجية والمغتربين آنذاك جبران باسيل، بالأمر. كما طلب من الرئيس اللبناني ميشال عون إستخدام نفوذه لإطلاق سراح الفاخوري.

ويربط المتابعون بين قرار المحكمة العسكرية بالإفراج عن فاخوري وبين زيارة السفيرة الأميركيّة الجديدة دوروثي ك. شيا إلى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة. يقول المتابعون إنّ السفيرة شيا انتهزت فرصة تقديمها أوراق اعتمادها رسميا، لتحوّل صولاتها وجولاتها على المسؤولين اللبنانيين إلى مناسبة لطلب الإفراج عن عامر فاخوري.

ويروي المتابعون أنّ الولايات المتحدة إنتقلت في الآونة الأخيرة من خانة المطالبة بالإفراج عن فاخوري “حُبيّاً”، إلى خانة التهديد فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، في حال عدم الإفراج عن فاخوري. وعليه، أتى ردّ الحكومة اللبنانية واضحاً بترك الملف للقضاء، “فإذا ارتأت المحكمة العسكرية إعلان براءته، فإنّ الحكومة لن تُعارض القرار سياسياً”.

بالفعل، هذا ما حصل في الساعات الأخيرة، خصوصاً أنّ الجهود الأميركيّة بدت واضحة في مضمون مذكرة الدفوع الشكلية (72 صفحة فولسكاب) التي تقدّمت بها الجهة الموكلة بالدّفاع عن عامر فاخوري، لا سيّما أنّ محامية أميركيّة من أصول لبنانيّة (سيلين عطالله) أتت من أميركا لتدافع عن فاخوري بعد أن منحتها نقابة المحامين اللبنانيين الإذن بذلك ووضعت إسمها على مذكرة الدفوع، بالإضافة إلى إسم المحامي فرنسوا الياس.

ويروي المتابعون أنّ هذه الدّفوع “تمت صياغتها بإحكام لإثبات مشروعيّة مرور الزّمن على كلّ التّهم الموجّهة إلى عامر فاخوري”، وقد اطلّعت عليها مراجع سياسيّة وقانونيّة لـ”التسليم” بالطريق القانوني الذي انتهى به هذا الملف!

ولذلك، فقد أشار هؤلاء إلى أنّ حيثيّات إسقاط المحكمة للحق العام عن فاخوري بمرور الزمن بعدما أسقطت أبو شقرا في قرارها الإتهامي تهمة التّعامل عنه بمرور الزمن، تشبه إلى حدّ بعيد حيثيّات قضيّة أحد المتعاملين مع إسرائيل وهو محمود بزي (المعروف بـ”محمود أنيسة”) الذي عاد من أميركا إلى لبنان بعد 30 عاماً، ليتم إسقاط دعوى الحق العام عنه أيضاً بمرور الزمن، في العام 2015، علماً أنه متهم بجرائم كثيرة، بينها قتل ثلاثة جنود في قوات “اليونيفيل”!

في المقابل، فإنّ كلّ هذه الخيوط السياسيّة المرسومة حول ملف فاخوري تضع سؤالاً حول موقف “حزب الله” من هذا الملف، خصوصاً أن رئيس المحكمة العسكريّة” لا يغرد بعيدا عن أجواء الحزب. وإذا كان البعض ينقل عن مسؤولي “حزب الله” صدمتهم الشديدة من قرار المحكمة العسكرية، فإنّ البعض الآخر لا يستبعد أن تكون جهة سياسية ما من “فريق 8 آذار/مارس”، قد أعطت إشارة للمحكمة العسكريّة، فجاء قرارها بالإتجاه المطلوب سياسياً!

ويتساءل البعض عمّا إذا كان “حزب الله” قد مارس “التقيّة السياسيّة” في ملف عامر فاخوري، من خلال محاولة تجنيب بعض الشخصيات اللبنانية الحليفة له العقوبات الأميركية مقابل حريّة رجل لن يعيش طويلاً بسبب سوء وضعه الصحي السيء!

الجدير ذكره أن جهة الدّفاع عن فاخوري فنّدت في مذكرة الدّفوع الشكليّة أسباب سقوط دعوى الحق العام لناحية ومنها تركه “جيش لبنان الجنوبي” في العام 1996 وعدم اكتسابه الجنسيّة الإسرائيليّة. واستند وكيلا الدّفاع إلى تحليلات وإجتهادات فقهية لمراجع قانونيّة لبنانيّة وفرنسيّة تؤكّد “ضرورة سقوط الدعوى العامّة”، وخلصا إلى أنّ “كافة الجرائم والأفعال الجرميّة المسندة إلى المدّعى عليه (فاخوري) قد سقطت بمرور الزمن العشري لعلّة دخوله إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة في العام 2001 والبقاء فيها حتى تاريخ دخوله إلى لبنان (2019)”.