بعد قرار توقيف نقيب الصرافين … سعر الدولار يشتعل

ظنت القوى السياسية أن حملة توقيف بعض الصرّافين بحجة عدم امتثالهم لقرارات مصرف لبنان، القاضية بتحديد سقوف لبيع الدولار وشرائه، سيخفّض سعر الصرف. لكن النتيجة كانت عكسية. وبدل معالجة الأزمة بصورة مختلفة، أصرّت السلطة على زيادة الضغط عبر توقيف نقيب الصرافين محمود مراد. إذ أعطى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، إشارة بتوقيف مراد، بتهمة التلاعب بسعر صرف الدولار، فارتفع سعر الصرف فور انتشار الخبر في ساعة متأخرة من ليل الخميس.

قبل انتشار خبر قرار ابراهيم، اختتم الدولار نهاره عند سقف 4250 ليرة للمبيع، وبعد الانتشار، طَلَبَ تجار الدولار أرقاماً وصلت إلى حدود 4350 ليرة للدولار الواحد، بغية تشجيع حاملي الدولار على بيعه خوفاً من انخفاضه. لكن سعي التجار للشراء، يخفي خلفه اتجاهاً تصاعدياً للعملة الخضراء. وهو ما يحصل دائماً في لحظة حصول أي طارىء.

الارتفاع يعود إلى عدم تحديد آلية فعّالة لضبطه. وفي الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، لا آلية سوى ضخ الدولار في السوق. وهذا إجراء مستحيل. وعليه، فإن قرار توقيف مراد عنى مباشرة ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض سعر صرف الليرة.

تغيّرَ موقف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من خطوة رفع الصرّافين لأسعار الدولار مع بداية أزمة شح الدولار. فالحاكم رفض التدخل بحجة عدم صلاحيات المصرف المركزي لتحديد سعر صرف الدولار في السوق، وأن الصرافين يتعاملون بالدولار بوصفه سلعة يخضع تسعيرها للعرض والطلب.

فجأة، بات بامكان المركزي التدخّل، لكن بصورة “التمنّي” على الصرّافين خفض سعر الصرف. وبعد اجتماع بين سلامة ونقابة الصرافين برئاسة مراد، تقرر التداول بسعر 2000 ليرة للدولار، بعد تخفيض هامش ربح الصرافين. لم يصمد الاتفاق، واستمر الدولار بالارتفاع.



اجتماعات متكررة جمعت الطرفين، من دون نتيجة تُذكَر. حتى أن تعميم مصرف لبنان رقم 13207، والذي طلب من كافة مؤسسات الصرافة، “التقيّد، استثنائياً، بحد أقصى لسعر شراء العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية لا يتعدى نسبة 30 بالمئة من السعر الذي يحدده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف. والامتناع عن إجراء أي عملية صرف لا تراعي النسبة المحددة”، لم يصمد أيضاً. فالصرافون تحايلوا على التعميم بعد تعليقهم لافتات على واجهات مؤسساتهم، تؤكد للجمهور شراء الدولار بنحو 1900 ليرة وبيعه بحدود 2000 ليرة، لكن الواقع كان عكس ذلك.



آخر المحاولات حملت معها وعداً من مصرف لبنان بتزويد الصرّافين بالدولار، شرط تخفيضهم سعر الصرف إلى 3200 ليرة. أيضاً، لم ينخفض السعر ولم يزوّد المركزي الصرافين بالدولار. حتى أن إغراء الصرّافين بادخالهم إلى المنصة الالكترونية، التي ستحدد سعر الدولار، لم يكن ذا فعالية، لأن الصرّافين يعلمون حقيقة الأزمة واتجاهها المتصاعد.

بعد النفوذ الذي حققه الصرّافون، وجدت السلطة السياسية أن لا مفرّ من ضبط ذلك النفوذ. فكان طرح الشراكة مع الصرّافين الذين رفضوا ذلك، في ظل غياب العروض المغرية. ما استدعى إظهار القوة من جانب السلطة. وهنا، التقت السلطة السياسية مع حاكم مصرف لبنان في المصلحة عينها. فالسلطة تريد تحقيق مكاسب شعبوية أمام جمهورها، عبر ايهامهم بالتدخل لوقف تصاعد سعر الدولار. والحاكم يريد تخفيف الحمل عن ظهره، بتوجيه سهام المسؤولية نحو طرف آخر. كما أن الحاكم نفذ صبره من الصرّافين الذين لا يلتزمون بتعاميمه. وهو ما يفقد المركزي هيبته، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الحاكم، والتي يريد خلالها تعزيز موقفه في صراعه مع المصارف والسلطة السياسية، ولا يريد توسيع معاركه واكتساب “خصم” جديد يزداد قوة.



الصرافون إذاً هم الضحية الجديدة في حرب مسبّبي الأزمة. وكان هؤلاء قد بدأوا بالرد على الضربات التي يتلقّونها عبر التوقيفات، بإعلانهم الإضراب والاقفال والامتناع عن بيع وشراء الدولار. غير أن الصرّافين فعلياً ليسوا ضحية بالمعنى الانساني، لأنهم يحددون أسعار الدولار من تلقاء أنفسهم، وهو ما أكده مراد غير مرّة في حديث لـ”المدن”، وبالتالي هم جزء من اللعبة. وما يدفعونه الآن هو رسم اشتراك في تلك اللعبة. وليس هناك مَن يدفع الثمن الحقيقي سوى المواطن الذي يتحمل ارتفاع أسعار السلع بحجة ارتفاع أسعار الدولار.

المدن