رسالة أوروبية إلى بري... للتفتيش عن مخرج

يسيطر مناخ من الجمود على العلاقات ما بين الافرقاء المعنيين بتأليف الحكومة وانتظار الاستشارات النيابية الملزمة التي يدعو اليها رئيس الجمهورية للوقوف على آراء الكتل النيابية وتسميتها رئيس الحكومة المكلف. ويغرق اللبنانيون في هذا الوقت في بحر من المشكلات الاقتصادية والمعيشية جراء الموجات الجنونية لارتفاع الاسعار وانهيار الرواتب وتآكل العملة الوطنية مقابل سعرالدولار. وعلى رغم هذه الاخطار والتحديات، فإن اللبنانيين يتابعون أيضا فصول آخر تطورات المعارك العسكرية على جبهة ناغورني – كاراباخ والمواجهة المفتوحة بين اذربيجان وارمينيا التي تعاني صعوبات عدة في الجبهة وسط تفرّج الدول الحليفة لها (روسيا وايران) على عكس ما تفعله تركيا مع الاذريين الذين تمدهم بالسلاح والعتاد. وبات للاتراك في الآونة الاخيرة الكلمة الكبيرة في الاقليم، من سوريا الى ليبيا وصولاً الى باكو حيث ينشطون ويتحركون بدعم لافت هذه المرة ووقوفهم في وجه التمدد الروسي في اكثر من بلد. ويبقى لبنان غير بعيد عن دائرة متابعة تركيا حيث يتصاعد معدل زيارات شخصيات سنية اليها اكثرها من الشمال، طلباً للحج السياسي في اسطنبول من فاعليات ورجال دين يعقدون لقاءات مع مسؤولين اتراك، مع ملاحظة ان عدداً لا بأس به من بين هؤلاء كان محسوباً حتى الامس القريب على النظام السوري، بينهم النائب فيصل كرامي حيث كانت زيارته التركية محل ترحيب عند اسلاميين في الشمال يدورون في فلك “الاخوان المسلمين”.

وعلى خط التأليف المتعثر لتشكيل الحكومة لا تزال السدود السياسية ترتفع بين المسؤولين ورؤساء الكتل في وقت تراقب باريس الى جانب عواصم اوروبية اخرى المسار الجامد بين الافرقاء، الأمر الذي بات يشكل مادة تقلق رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينقل عنه زواره انه من غير المنطق وأبسط القواعد السياسية الابقاء على هذا التراخي والستاتيكو القائم، ويؤكد ان لا فائدة من هدر كل هذا الوقت في انتظار حصيلة الانتخابات الرئاسية الاميركية. وما زالت “القطيعة” على حالها بين عين التينة والرئيس سعد الحريري الذي يبدو انه أقفل خطوط اتصالاته مع اكثر من جهة مع تشديده وتكراره أنه لا يزال يؤيد المبادرة الفرنسية.

في المقابل، لا صحة هنا ان المشهدية نفسها تنسحب على خط العلاقة بين الرئاسة الثانية والرئيس ميشال عون، بل على العكس يردد بري امام زواره ان اتصالاته مفتوحة مع رئيس الجمهورية قبل زيارتهما الى الكويت ولا تشوبها اي شائبة. ويقول بري ان الهموم التي تشغله حيال البلد هي نفسها التي تهم بعبدا. واذا كان بري يؤيد الاتفاق على تسمية رئيس للحكومة يمثل الطائفة السنية، إلا انه يريده في الوقت نفسه ان يكون منفتحاً بكل جوارحه على المكونات الاخرى في البلد، وان لا يتلقى اي اشارات من خارج الحدود. وما يقصده بري هنا انه لا يصح الاصغاء الى اشارات خارجية تمنع فريقا اساسياً في حجم “حزب الله” من قول كلمته او التوقف عند رأيه في الوجوه الشيعية المرشحة للتوزير في الحكومة المنتظرة. كل هذه المعطيات السلبية لا تؤشر الى موعد اقتراب ولادة الحكومة مع بروز طول إقامة حكومة تصريف الاعمال للرئيس حسان دياب في السرايا الحكومية.
في غضون ذلك، تفيد معلومات ديبلوماسية من عاصمة اوروبية مؤثرة غير باريس توصلت في خلاصة قراءة سياسية أعدتها حيال معاينة آخر التطورات في لبنان طوال الاشهر الاخيرة وسط تخبط قواه السياسية والحزبية والنيابية وعدم قدرتها على تشكيل الحكومة، انه لم يعد هناك من مخرج داخلي يعيد جمع المكونات السياسية اللبنانية الا بواسطة الرئيس بري ليشكل جسراً لهذه العملية والمرجع الاول القادرعلى جمع الافرقاء على رغم كل صعوباتها عليه.. وتمنت عليه ان يبلور مخرجاً يساعد في إعادة اللحمة وخيوط التواصل بين المكونات شرط التجاوب مع الخطوة إذا كُتب لها النجاح.

النهار ـ رضوان عقيل