بعد الزراعة.. تربية المواشي 'بيزنس' جديد يعود إلى الواجهة.. إليكم التفاصيل

يحيي "اللبنانيون" تراثا تميزت به البلاد قبل نشوء دولة لبنان الكبير في الاول من سبتمبر 1920، بالإقبال على تربية المواشي بكميات صغيرة، للاستعمال البيتي، الى «بيزنس» لا يحتاج مصاريف كثيرة عبر اقتناء عدد متوسط من الرؤوس.

أمور كثيرة تغيرت بين الأمس البعيد واليوم. الرعاة لا تصل سنهم الى 18 عاما حدا أقصى وهم بغالبيتهم من السوريين أصحاب الخبرة في التربية والسهر على القطيع، وصولا الى العناية الطبية.

رعاة بأساليب حديثة، يتبادلون المعلومات عبر تطبيق «واتساب»، ويعرضون بضاعتهم عبر «فيسبوك».

هذه حال فخري (17 سنة) الذي يعمل عند الزميل الصحافي إبراهيم دسوقي في أرض زراعية استأجرها في بشمزين (قضاء الكورة - شمال لبنان). الشاب السوري يتقاضى 700 ألف ليرة لبنانية مرتبا شهريا (إلى حوافز ومكافآت)، اي ما يعادل نحو 85 دولارا أميركيا.




وقد نصح به «أبوربيع» اللبناني الذي يملك مزرعة كبرى في بقعة مجاورة ويعتبر مرجعا للوافدين الجدد الى هذا القطاع

يتحدث دسوقي لـ «الأنباء» عن تجربته الجديدة فيقول: «أقبل كثيرون من الشبان على الزراعة، لكني لاحظت ان تجربتهم لم تعمر طويلا. وفكرت بالعمل على مشروع صغير لا يتطلب رأسمالا كبيرا.

وبعد دراسات معمقة دخلت عالم تربية المواشي، واستقر الخيار على الأغنام أكثر من الماعز، لأسباب تتعلق بسهولة التعامل مع رعاية الأغنام، ذلك ان الماعز ينقضون على الأشجار المثمرة.




استأجرت قطعة أرض في منطقة معروفة بخصوبتها في شمال لبنان، واستصلحت منزلا قديما فجعلته صالحا للسكن.

بدأت بعدد قليل من الأغنام الشامية من نوع عويس، وهي تعتبر بلدية في منطقتنا، وركزت على الإكثار من نوع الانثى منها لتكبير القطيع، ذلك ان الغنمة قادرة على الإنجاب مرتين في السنة، علما ان فخري نصحني بمنحها فترة من الراحة.

كبر القطيع ووصل عدده إلى 100 تقريبا. ومعه زاد رأسمالي بحيث ان مزرعتي كبرت دون إنفاق أرقام مالية كبرى، آخذا في الحسبان مصاريف العلف المستورد التي أدفعها بالدولار الأميركي، الى نفقات أخرى (تأمين مياه الشرب مثلا).

وأتحدث هنا عن مشروع بميزانية مقبولة غير كبيرة، يؤمن لي استمرارية ومدخولا يسد جزءا من مصاريفي اليومية، علما اني أتطلع الى بناء مزرعة كبرى قد استخدمها لاحقا في مجالات متنوعة».




مقولة دسوقي يناقضها ناظم طربيه ابن بلدة تنورين الجردية البترونية، الذي تحدث لـ «الأنباء» عن «عدم قدرة المربين الصغار على منافسة تجار اللحوم الكبار، انطلاقا من إفادة الأخيرين من دعم الدولة اللبنانية عبر وزارة الزراعة في الأعلاف والمواشي المستوردة».

إلا ان طربيه، يعرض لما سماه «إيجابية اقتناء المربين الصغار رؤوسا قليلة يفيدون منها بتأمين حاجاتهم السنوية من اللحوم البلدية ذات النوعية الجيدة»، الأمر الذي يقوم به حاليا في منزله الجبلي، بعدما كانت عائلته تعول على الزراعة وتربية المواشي.

بين حسابات طربيه التجارية الكبرى وملاحظات دسوقي عن تأسيس تجارة بميزانية متواضعة، يقبل الكثير من الشبان على تربية المواشي كعمل رديف يساندهم في تأمين يومياتهم بعد احتساب التكاليف.

والغالبية من المربين الجدد لا تتعدى قطعانهم العشرين رأسا، وتساعدهم في تأمين مدخول بعيدا من المخاطرة التجارية.

«انتعش قطاع استئجار الأراضي الزراعية من قبل الشبان، وهذا عامل إيجابي يحرك ركودا في مناطق تعتبر ذات طبيعة ريفية» بحسب دسوقي.

«كثيرون يستفسرون عن تجربتي، ويرون فيها نموذجا لإخراج ودائعهم غير الكبيرة من المصارف وتوظيفها في مشروع مضمون ربحه ولو كان متواضعا.

بعت عددا من الرؤوس في عيد الأضحى، وبت مدرجا على لائحة قصابين يريدون الحصول على لحوم بلدية، ويتواصلون معي لشراء ما أريد بيعه من الأكباش.

كما تلقيت عروضا لبيع حليب الأغنام الذي يستخدم في إنتاج أجبان قشقوان الغنم، لكني أؤثر ترك أغنامي ترضع صغارها لتكبير القطيع.

وأقوم بين الحين والآخر بشراء أغنام تعرض للبيع عبر فيسبوك بسعر لا يتعدى الـ 220 دولارا أميركيا للغنمة الواحدة، علما اني بدأت الشراء بأسعار أقل قبل ارتفاعها لاحقا».

العودة الى حياة الريف مصحوبة هذه المرة بتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي. انه العصر الجديد للرعاة والمربين، عصر لا تتبدل معه نوعية اللحوم وولوج عالم التجارة برساميل متوسطة.

عصر البحث عن فرص لمساندة الأسر في الزمن الأصعب اقتصاديا في تاريخ لبنان الكبير.