هل يمكن للبنان اجتياز "اللغم" السعودي الأخير؟! - حسن هاشم

من يتابع الأحداث المتسارعة في الأيام الأخيرة لا يمكنه إلا أن يلاحظ بأنّ لبنان بات بحدّ ذاته حقل ألغام منها ما انفجر ومنها ما ينتظر، إذ أنّ الأزمات تتوالى وتتراكم على رؤوس اللبنانيين الذين لم يعودوا يعرفون من أين تأتيهم الضربات.


في يوم الجمعة الماضي، انفجر لغمٌ جديد في "الحقل اللبناني"، وهذا اللغم لم يكن محلياً بل عابر للحدود وتحديداً من المملكة العربية السعودية التي اتّخذت قراراً صارماً بـ"منع دخول الخضروات والفواكه اللبنانية إلى المملكة أو العبور من خلال أراضيها"، وذلك بعدما لاحظت السلطات المعنية أنّه يتمّ استغلالها واستخدامها بهدف تهريب المخدّرات.

وأكّدت المملكة أنّ هذا القرار سيبقى سارياً إلى "حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذهم الإجراءات اللازمة لإيقاف عمليات التهريب الممنهجة ضدّ المملكة".
الانتكاسات تتوالى.. السلطة اللبنانية عاجزة عن التواصل مع السعودية!
الكويت تؤيد قرار السعودية حظر دخول الخضار والفواكه من لبنان

في اليوم الذي اتخذت فيه الرياض قرارها، كانت السلطات في البلاد تعلن عن ضبط نحو 8 ملايين حبة مخدّرة (كبتاغون وإمفيتامين)، في ميناءْ الملك عبد العزيز في الدمام (شرقاً) وميناء جدة الإسلامي (غرباً)، داخل شحنتَيْن من فاكهة الرمان قادمتَيْن من لبنان.

وعلى الفور، سارعت الدولة اللبنانية - وكما هي عادتها - إلى التحرّك بعد وقوع الواقعة، فدعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اجتماع ظهر اليوم في قصر بعبدا لبحث ملابسات القرار السعودي بمنع دخول الفواكه والخضار اللبنانية ومعالجة تداعياته.

كما أصدرت وزارة الخارجية بياناً شدّدت فيه على أنّ الوزير شربل وهبة نقل الموضوع إلى "كبار المسؤولين"، مؤكدة أن "تهريب المخدرات في حاويات أو شاحنات محملة بالفواكه والخضار من لبنان إلى الخارج عمل يعاقب عليه القانون اللبناني".

كذلك، أكّد وزير الداخلية، محمد فهمي، أنّ لبنان "على استعداد للتعاون مع كل الدول لمكافحة تهريب المخدرات". وأوضح أنّ "لبنان بذل جهوداً مضنية لمحاربة تهريب المخدرات، لكن المهربين يحققون نجاحات في بعض الأحيان".

ثمّ تتالت المواقف اللبنانية التي حرصت على إظهار أنّ الشحنات المرسلة مرّت عبر لبنان فقط ولم تصدر من لبنان لا سيما وأنّه لا يوجد موسم رمّان في هذا التوقيت، داعية المملكة إلى إعادة النظر في قرارها ورفع الحظر عن تصدير الخضار والفواكه والتي قدّرت قيمتها عام 2020 بنحو 24 مليون دولار.

لكنّ هذه الدعوات والكلام المعسول بحقّ المملكة ما هو إلا "فقاعات ماء" لا تسمن ولا تغني من جوع، إذ أنّ من يراهن على إمكانية اجتياز "اللغم" السعودي الأخير من دون خسائر ومن خلال حلّ "حبّي" و"على الطريقة اللبنانية" وبـ"اللفلفة" مخطئ تماماً.




في دولة حقيقية كالسعودية، لا بدّ من اتخاذ تدابير عملية وملموسة على الأرض وهو ما طلبته بشكل علني بقولها "إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذهم الإجراءات اللازمة لإيقاف عمليات التهريب الممنهجة ضد المملكة".

وإعلانها أنّ "وزارة الداخلية ستستمر بالاشتراك مع الجهات المعنية في متابعة ورصد الإرساليات الأخرى القادمة من الجمهورية اللبنانية، للنظر في مدى الحاجة إلى اتخاد إجراءات مماثلة تجاه تلك الإرساليات".




من يقرأ البيانات الرسمية السعودية، يدرك أنّه في المملكة دولة قانون ومؤسسات لا يمكن أن تتهاون بأمنها القومي وأمن شعبها والمقيمين لديها، وهو ما أشار إليه السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، الذي أكّد أنّ "دوافع القرار أمنية في المقام الأول وتهدف للحفاظ على سلامة وأمن المملكة العربية السعودية ومواطنيها والمقيمين فيها".

كما نقلت وكالة الأنباء الرسمية السعودية "واس" عن وزارة الداخلية تأكيدها أنّها مستمرّة "في رصد كل ما من شأنه استهداف أمن المملكة وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها من آفة المخدرات، سواءً من الجمهورية اللبنانية أو من غيرها من الدول، واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدي لها".

كما نقلت "واس" عن وكيل الهيئة العامة للجمارك للشؤون الأمنية، محمد بن علي النعيم، تأكيده "مواصلة عناصر الجمارك السعودية جهودهم والوقوف بالمرصاد سدًا منيعًا عبر جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام محاولات أرباب التهريب إدخال مثل هذه الممنوعات وغيرها".

وشكر لدولته "توفير الوسائل التقنية الحديثة في جميع المنافذ، التي أسهمت كثيرًا في الكشف عن مثل هذه الممنوعات وغيرها"، مؤكدًا أن "الجمارك السعودية عبر جميع منافذها البرية والبحرية والجوية تعمل بأقصى جهودها لتعزيز إنفاذ الأنظمة والقوانين لحماية المجتمع والاقتصاد الوطني".

في المحصّلة، فإنّه يمكن ملاحظة الاختلاف الواضح والبارز بين مفهوم الدولة الحقيقية التي تعمل على ضمان أمنها وشعبها و"اللادولة" اللبنانية التي لا تضيّع فرصة للانقضاض على شعبها والتنكيل به وإذلاله وصولاً إلى قتله.

فماذا ينتظر اللبنانيون من دولة تركت أطناناً من نيترات الأمونيوم في أهمّ مرفأ فيها طيلة سنوات قبل أن تنفجر لتقتل وتجرح وتهجّر مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين وتدمّر نصف العاصمة؟ وكيف لمن أهمل مواد خطرة كنيترات الأمونيوم أن يتنبّه لعمليات تهريب المخدرات؟!