مدينة بحاجة ماسة للفرح: حجوزات صالات الزفاف تكلّف "هيديك الحسبة".. وجدل في بنت جبيل بعد المطالبة بمنع حفلات الزفاف في البيوت!

زفة وزلغوطة وآويها ومواويل"، وسط جمعة الأقارب والجيران في البيوت والحواكير.. هكذا كانت أعراس الآباء والأجداد في مدينة بنت جبيل، بعيدًا عن كل مظاهر البذخ والترف. واليوم في ظل الإنهيار الذي يشهده لبنان، ليس أمام كل مُقبلٍ على الزواج إلا العودة للبساطة.
ولكن في بنت جبيل انشغل الرأي العام بين مؤيد ومعارض للفكرة، وذلك بعدما أقام "عرسان" حفل زفافهم في البيوت. ووصل النقاش إلى حد منع إقامة الأعراس في البيوت لما تسببه من إزعاج من جهة، وعلى اعتبار أن سماع الأغاني والموسيقى على تنوعها لا يناسب الجميع من جهة ثانية.
على مبدأ "تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين"، يتحدث المنزعج من ضوضاء الزفاف. فمشكلته تكمن في الأصوات العالية ليلًا والتي تسبب الأرق.
ولكن يحث آخرون عبر مواقع التواصل الإجتماعي على "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، باعتبار أن الإنتماء الديني موحد في المدينة، وبالتالي يرى أصحاب هذا الرأي أنه لا يصح مشاركة سماع الأغاني "المحرمة".
ومن جهة أخرى، ليس بمقدور كل مقبل على الزواج تحمل تكاليف صالات الأفراح "الخيالية" في الوقت الحالي.. علمًا أنه حتى لو كانوا من الميسورين جدًا، فمن الصعب أن يؤمن الضيوف المشاركين البنزين لقصد صالة في مدينة صور أو منطقتها على سبيل المثال! فليس في المدينة صالة أفراح.
تقول إحداهن أن حفل زفافها وزوجها أقاموه مطلع التسعينيات في منزل العائلة في المدينة. وتبرر أن العائق لم يكن ماديًّا، بل يومها كان يتعذر على الأقارب الوصول إلى أقرب صالة فرح ضمن منطقة صور تفاديَا لبطش وظلم الإحتلال!
وتضيف "كان الأهم تكون العيلة والأصحاب مجموعين معنا". وتتابع أن الحفل أقيم عصرًا، وأنهم وضعوا كراسٍ إضافية، فالعادة كانت أن يأتي أهل الحارة حتى دون دعوة للمشاركة والمباركة.

وفي السياق، شائعٌ أن الجار كان يطرق باب جاره قبل العرس ليعرض المساعدة ويسأل إن كان يحتاج كراسٍ إضافية.. في وقت تبلغ اليوم تكاليف كل كرسي أو طاولة إضافية في صالة زفاف "هيديك الحسبة"، أي مبلغ طائل.
ولا تزال العديد من القرى المجاورة تحافظ على حفلات الزفاف البسيطة - الغنية في باحات البيوت والحواكير من موالد وأفراح متنوعة... وكذلك في مناطق تنتشر فيها المشاريع السكنية، لا البيوت المستقلة، يحافظ الأهالي على طقوس إقامة الزفاف والموالد على "السطيحة" أي شرفة الطابق الأرضي الواسعة، أو حتى أسفل البناية السكنية بالإتفاق مع الجيران.


اللافت أنه ليس بجديد على المدينة وأهلها هذا النقاش، فسبق للبعض أن اعترض على "حلقة دبكة" خلال حفل. كما اعترض البعض على أغانٍ وطنية من تراث لبنان أنشدتها فرقة قوى الأمن الداخلي الموسيقية مثل "تعلى وتتعمر يا دار"! فقد احتج هؤلاء الأفراد سابقًا على مهرجانات بنت جبيل التراثية يوم كانت تجمع المدينة المئات على مدرجات ملعبها، معتبرين أن مهرجانات الفرح تلك لا تناسب مدينة قدمت الشهداء!

وجدير بالذكر أن هؤلاء الأفراد يتحدثون عبر مواقع التواصل الإجتماعي من منطلق شخصي وليس تمثيلًا لأي جهة أو فئة.


واستطرادًا، ومن ناحية دينية من قال أن المراجع جميعها تحرّم بالمطلق سماع الموسيقى؟ المعلوم أن هناك إجماع على تحريم ما يتناسب ومجالس اللهو.. وبعيدًا عن الجانب الديني الذي يتولاه علماء الإختصاص، مل الناس اليوم من حجرهم ومن الوضع المترامي بين الأزمات في لبنان، وبنت جبيل كغيرها من المناطق بحاجة ماسة إلى الفرح، وهي التي لا تضم أكثر من 2200 نسمة صيفًا. فلماذا لا يتم نظم الأفراح بالتراضي بين الجيران، دون أذى؟ ما المانع من التعاون على الفرحة تمامًا كالمواساة عند الحزن؟ ما المانع من أن ترتدي بنت جبيل طرحتها البيضاء فرحًا بكل عروس؟