دوروثي شيا 'تُخرّب' تأليف الحكومة..

كلّما "خطا" رئيسا الجمهورية ميشال عون، والحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، خطوةً في طريق إنجاز تأليف الحكومة الجديدة كلما طرأت لهما السفيرة الأميركية دوروثي شيا وزاحمتهما واشنطن وسبقتهما نحو إثارة الغبار وممارسة "الحرتقة السياسية" بفعل وضعها لفيتوات وتصنيفات تقرّر ما هو الصالح والسليم في إنتاج الحكومات في لبنان وعلى أي أساس وأية معايير يجب أن تُنتج!

على ما يبدو، أقرّت واشنطن باحتمال تأليف حكومة جديدة في لبنان، لذا قرّرت "فركشتها". ثمة رغبة نمت لدى اللاعبين الرئيسيين في إنتاج حكومة بالداخل أفضت، وبحكم التغييرات التي اشتملت على شخصية المكلّف وطروحاته بعد إزاحة سعد الحريري من الدرب، إلى تسطير القواعد الأولى من الإتفاق الحكومي. أمرٌ، يدفع بواشنطن إلى إعادة تزخيم نشاطها بهدف إفشال تأليف حكومة ليست على هواها إنما تقبل إن كانت متآلفة معها وتستهوي شروطها وتتيح فرض مشيئتها أي عملياً "فرض" نوع من أنواع "التوازنات" التي تعتقد واشنطن أنها ضرورية لصالح استتباب أمر الحكومة بالنسبة إليها. هنا، ليس صحيحاً أن النشاط الأميركي الأخير الذي تولّت تنفيذه السفيرة شيا، يأتي في مجال تسهيل تأليف الحكومة أو أنها مارست ضغطاً في هذا الصدد، إنما لتسييل إسقاطات عليها، على نحو استطلاع كيفية ونوعية تمثيل "حزب الله" في الحكومة وحدود دوره ودور حلفائه وصولاً لمعرفة أسماء الوزراء الذين سمّاهم، ورسم حواجز أمام المعنيين حيال تمثيل الحزب ودوره. ولو خُيّر لواشنطن وسفيرتها، لكانت ستنزع أي تمثيل للحزب أو لحلفائه في الحكومة العتيدة من الوجود.



بصريح العبارة، واشنطن لا تريد حكومة جديدة يُجسّر فيها حزب الله حضوره، إنما تسعى إلى حكومة "تشذب" من حضور الحزب. دولة وضعت ما وضعت من عقوبات على حزب لبناني مُحال أن تقلب لهذا الحزب أن يدخل الحكومة -أي حكومة- على صورة المنتصر غير المتأثر أو المتضرّر من مسار إستهدافه، لذلك عجلت السفيرة في التجوال على المراجع وفرض شروط ومعايير على دخول الحزب. تقبل دخوله شرط ألا يختزن هذا الدخول عوامل قوة، وهو أمر يرفضه حزب الله قطعاً. إزاء ما تقدم، يبدو أن الفعل الأميركي أدى غايته، بدليل تراجع رئيس الحكومة المكلف عن التزامات تفاهم حيالها مع رئيس الجمهورية. وبدل أن يكون الخميس موعداً لولادة الحكومة، اضحى موعداً لتعديل كل ما تقدم عبر رفع تشكيلة أخرى بأسماء مختلفة عما رسى عليه الإتفاق المبدئي وصولاً إلى تطيير إمكانية إجتماع الأمس وإشاعة جو سلبي جداً قد يحيل التكليف برمته إلى العدم والاعتذار.

تأسيساً على ذلك، يُفهم مبعث الكلام الاخير للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي وصف فيه السفيرة الأميركية بـ"الشمطاء". لقد تواتر إلى الحزب –ويتواتر دورياً- نماذج من التدخلات الأميركية في مجال تأليف الحكومة، وصولاً لإعلان رغبة شيا مثلاً بأفضلية عدم تمثيل "حزب الله"، عنوةً عن غيره، وهو كلام أُبلغَ إلى مراجع رسمية خلال جلسات رسمية، على اعتبار أن الحزب يُشكّل "حالة استفزاز لشريحة واسعة من اللبنانيين" كما تقول.



على الأرجح، يذهب "حزب الله" بعكس ما يريده الأميركيون. في الخطاب العاشورائي ما قبل الأخير للسيد نصرالله، ألمح إلى ضرورة تأليف الحكومة في غضون أيام. وضع مهلةً، وهذه المهلة قُرأت على أساس أنها "مهلة للدفع". كان الحزب يعلم مقتضيات المزاحمة الأميركية ومحاولتها "فركشة" الإتفاقيات الحكومية المبرمة، فأسرعَ إلى إجراء تعديل في مساراته وضخّ عوامل التقوية في جذور الإتفاقات، ناقلاً حركته الحكومية إلى العلن ومعززاً اللقاءات مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، الذي أبدى "حرصاً على تمثيل الحزب في الحكومة"، وهو حرصٌ جاء بعد زيارة شيا إليه، والتي على الأعمّ الأغلب ووفقاً لما يتداول، طرحت طبيعة تمثيل الحزب معه، ومحل الإشارة الأميركية هنا ليست نوعية الحقائب أنما الحضور في أصله.

في قصر بعبدا لم يختلف الأمر كثيراً. ذاع مؤخراً تحديداً قبل أيام وعلى هامش اللقاء الأخير بين الرئيس ميشال عون ودوروثي شيا، أن طرحت الأخيرة مواضيع "مثيرة للجدل" مع رئيس الجمهورية على نحو طبيعة وصول النفط الإيراني، وقد جاء ذلك عقب كلام السفير الإيراني في بيروت الذي تحدث عن قرب وصول النفط الإيراني، وقيل أن السفيرة هدّدته وهو كلام لم يجد من يؤكده، وثمة يقين أنه مختلق وغير دقيق إنما مفتعل من جهات "محسوبة" على الرئيس تريد المزايدة في الداخل. ثم إن رئيس الجمهورية ليس من النوع الذي يمتصّ التهديدات عادةً. لكن بطبيعة الحال لا دخان بلا نار. في القصر، طرحت شيا تساؤلات حول طبيعة الحزب وحدود دوره في الحكومة العتيدة ومرّت –بإطار الإستفسارات- ذاتها حول ما يُحكى عن وصول إمدادات النفط الإيرانية. طبعاً أجوبة الرئاسة كانت متحفّظة جداً وأتت على درجة طرح الإستفسارات الأميركية نفسها. وكما درجت العادة، لم تحظَ شيا بأية إجابة واضحة من جانب الرئاسة.



ثمة أمورٌ أساسية تريدها واشنطن من بيروت، تحديداً من الحكومة بالذات. الأمر يتعدى مسألة استقدام النفط الايراني. تعتبر واشنطن أنه في استطاعتها بحكم طبيعة التكوين "الهيكلي" للحكومة ونزولاً عند "كتلة" المؤسسات والمنظومة التي أسستها في لبنان، أن تُكافح "إمدادات الوقود" تلك. ما يعنيها من الحكومة أساساً، "تقويض" دور حزب الله فيها. تريدها واشنطن حكومةً تثبت "أقلّوية" الحزب وانحسار مجال قوته ونفوذه وحضوره، دون ذلك، ثمة أمورُ غير مضمونة النتائج وبحكم الدور المرجّح للحزب، ولاحقاً قد تكتشف واشنطن أن نفوذه في الحكومة العتيدة قد يفوقه حضوراً في الحكومة المنصرمة، ما سيعني واقعاً أن كل إجراءاتها العقابية والسياسية وغير ذلك، تذهب سدىً وبلا أية نتيجة عملية.

هناك أمور أخرى تسعى إليها واشنطن من وراء تأليف هذه الحكومة: برنامج عملها وتعاونها مع البنك الدولي ومؤسسات النقد الدولية وما شاكل. هذه تأخذ درجةً واسعةً من الأهمية. من هنا، نما جو سياسي داخلي من أن عرقلة تأليف الحكومة من خلال العقد النامية حالياً والتي قد تنمو مستقبلاً، لا علاقة لها بطبيعة تمثيل القوى أو مستوى حضورهم داخل الحكومة ونوعية الحقائب المطروحة عليهم، إنما البيان الوزاري للحكومة وجدول أعمالها و خطتها و برنامجها ونظرتها إلى الإجراءات الاميركية وإلى المساعدة الغربية وإلى التعيينات (وهذه علامة نافرة) من السلك الإداري والمدراء العامين إلى السلكين العسكري والمالي والقضائي، المراكز التي تسعى واشنطن لإخضاعها إلى ورشة تغييرات تتجانس وطبيعة الرؤية الأميركية لإخراج لبنان من الأزمة، وإعطاء الإيعاز بفتح صناديق الإقراض والنقد أمامه. يُصبح هنا الدور الفرنسي محدوداً. ما هو مرسوم لباريس لا يتعدّى صوغ ورعاية إتفاق على إنجاز حكومة جديدة لا أكثر. لم تعد باريس تأخذ بطبيعة تكوينها كثيراً إنما بإنتاجها حصراً. بعد ذلك ستسلم الدفة إلى من ولاّه الأمر أساساً، لتحتفظ بدور الشرطي لاحقاً.

من هنا، يعي "حزب الله" خطورة المرحلة. يُدرك أن "حرب النفط" لم تعد محصورة في "الخليج اللبناني" –أي النفط في عرض البحر- إنما انتقلت إلى اليابسة. على الأرض، ثمة نفط سيسيل كالنهر الهادر، ومن خارج منظومة الرقابة الأميركية. هنا ستزيد مزاحمة "حزب الله"، وها هو مصرف لبنان يُكشّر عن أنيابه. ما عسى الحزب فاعل في مجال "السيستم" اللبناني الحاضر لمقارعته؟ للبحث صلة

المصدر : عبدالله قمح - ليبانون ديبايت