كان صعبا على الناس ان تعتاد على الصقيع، فالمسألة لا تتعلق فقط بالبرد القارس الذي خلفته العاصفة ياسمين، بل مرتبطة ايضاً بما خلفته السياسات الحكومية المهترئة.
صحيح أن هناك شريحة واسعة لم تتأثر بارتدادات الأزمة، بل جاءت منصفة لهم، كالمهن الحرة، غير ان شريحة المتعاملين بالعملة المحلية كانت الاكثر تأثراً، فهؤلاء يقبعون تحت جمر الازمة ولهيبها، حتى برودة ياسمين لم تخفف عنهم.
اكثر ما يؤلم هؤلاء انهم باتوا خارج القدرة على الطبابة، فالضمان وكل الجهات التأمينية الاخرى لا تمكن المريض من العلاج، فالمستشفى يطلب الدفع قبل الدخول وإلا لا طبابة، معادلة بدأت إرتداداتها السلبية تنعكس على حياة الناس، آخرها الرضيعة سهام ابنة الاربعة اشهر التي ماتت في صور، فقط لان المال لم يدفع للمستشفى مسبقاً، ذهبت فرق عملة لسياسات الدولة الترقيعية، فحياتها كانت ثمن فقدان وتأخر وصول العشرة ملايين ليرة الى صندوق المستشفى، نعم ، ماتت الطفلة لان اهلها كانوا عاجزين عن دفع المبلغ مسبقاً، ولم يمهلهم المستشفى لتأمينه، مقابل معالجة ابنتهم.
هي حصيلة الفوضى التخريبية التي تتبعها كل المؤسسات في البلد، فالمسألة لم تعد فكرة إنسانية او وجود ضمير، بل تتعلق بالتجارة، حتى المشافي تحولت تجارية غايتها الربح، وآخر همها مداواة الناس.
في زمن الدكتور حكمت الامين كان المريض في مأمن، فالفقير كان يدرك ان هناك من يداويه من دون مقابل، بإنسانية، هذه الانسانية ماتت اليوم.
لا يتعلق الامر بالطبابة فقط ايضا هناك خوف من الانجاب، فالطفل يحتاج مصاريف طائلة: حليب غير متوفر، وحفاضات اسعارها نار، ادوية باهظة الثمن وبعضها مفقود، ما يحول دون تفكير الزوجين بالانجاب. حسن احد هؤلاء الاشخاص، تزوج قبل اربع سنوات، يبعد فكرة الانجاب نهائيا، اقله في ظل الازمة، فهو يدرك انه عاجز عن تأمين احتياجاته مع زوجته، فكيف بوجود طفل رضيع يتطلب موازنة كبرى خارج قدرته، يقول حسن ان راتبه لا يصل الى الـ100 دولار، وان حمل زوجته يتطلب شهرياً بين معاينة طبيب وفحوصات وأدوية ما يقارب المليون ليرة لبنانية واكثر، «هذا إن لم يطرا شيء آخر، ونحن نعيش في قلب العاصفة، ما دفعني للتفكير رغم انني بت على حافة خسارة فرصة الانجاب، ولكن ماذا نفعل، هل ننجب طفلاً ونعذبه معنا؟».
قبل سنين خلت، كان الانجاب اول فكرة تطرأ على بال الزوجين، اليوم باتت آخر الافكار، حتى ان نسبة الحمل انخفضت بشكل ملحوظ وهذا ما يشير اليه الدكتور حسن عازياً السبب الى الوضع الاقتصادي الراهن، «فالسيدة باتت عاجزة عن اجراء فحص دوري فكيف بفحص الحمل، وتراجع النسبة سينعكس حتماً على النسل والواقع الاجتماعي، ولكن المتزوجين يفكرون بتأمين لقمتهم اكثر من تفكيرهم بطفل يملأ حياتهم».
كان حلم فاطمة ان تصبح امّاً، انتظرت اكثر من عشر سنوات هذا الحلم، وما إن تزوجت حتى هبطت الازمات وخسر زوجها قيمة راتبه، وحلمها بات كابوساً، اذ وقعت بين سندان تقسيط المنزل والاعباء المترافقة ومطرقة خسارتها حلم الانجاب، وبين الاثنن لم تجد خياراً آخر سوى ابعاد الفكرة اقله عامين لانه كما تقول «ما قادرين نأمن ابسط المقومات بنزين ومازوت واشتراك ويطير المعاش، فكيف مع طفل؟». ادى انحلال الواقع المعيشي الى تغيير التفكير لدى الناس، باتت احلامهم تقتصر على تأمين المازوت، بعدما كان حلمهم سيارة وطفلاً وبيتاً وسفراً. نجحت السلطة في اقصاء الناس عن احلامها، حتى حلم العلاج والطبابة بات خارج حساباتهم، فلا الدواء متوفر ولا الطبابة كذلك، حتى البنادول الذي كان كالفطر ينتشر في الصيدليات والمستوصفات، بات محدوداً وبالقطارة والظرف الواحد ثمنه 40 الف ليرة، اي ثمنه يصيب بوجع راس، اكثر مما يطبّب.
باختصار، حدّت حكومة الانقاذ من طموح الناس، وبدلا من انعاش الواقع المعيشي فرضت مزيداً من الضرائب، والخوف الاكبر ان تنقلب لعبة خفض الدولار على الناس مزيداً من ارتفاع الدولار، ويطير معها حتى الحلم بشراء ربطة خبز. فالى اين تريد ان توصل حكومة الانقاذ الناس؟ هل الى الانتحار؟
كان صعبا على الناس ان تعتاد على الصقيع، فالمسألة لا تتعلق فقط بالبرد القارس الذي خلفته العاصفة ياسمين، بل مرتبطة ايضاً بما خلفته السياسات الحكومية المهترئة.
صحيح أن هناك شريحة واسعة لم تتأثر بارتدادات الأزمة، بل جاءت منصفة لهم، كالمهن الحرة، غير ان شريحة المتعاملين بالعملة المحلية كانت الاكثر تأثراً، فهؤلاء يقبعون تحت جمر الازمة ولهيبها، حتى برودة ياسمين لم تخفف عنهم.
اكثر ما يؤلم هؤلاء انهم باتوا خارج القدرة على الطبابة، فالضمان وكل الجهات التأمينية الاخرى لا تمكن المريض من العلاج، فالمستشفى يطلب الدفع قبل الدخول وإلا لا طبابة، معادلة بدأت إرتداداتها السلبية تنعكس على حياة الناس، آخرها الرضيعة سهام ابنة الاربعة اشهر التي ماتت في صور، فقط لان المال لم يدفع للمستشفى مسبقاً، ذهبت فرق عملة لسياسات الدولة الترقيعية، فحياتها كانت ثمن فقدان وتأخر وصول العشرة ملايين ليرة الى صندوق المستشفى، نعم ، ماتت الطفلة لان اهلها كانوا عاجزين عن دفع المبلغ مسبقاً، ولم يمهلهم المستشفى لتأمينه، مقابل معالجة ابنتهم.
هي حصيلة الفوضى التخريبية التي تتبعها كل المؤسسات في البلد، فالمسألة لم تعد فكرة إنسانية او وجود ضمير، بل تتعلق بالتجارة، حتى المشافي تحولت تجارية غايتها الربح، وآخر همها مداواة الناس.
في زمن الدكتور حكمت الامين كان المريض في مأمن، فالفقير كان يدرك ان هناك من يداويه من دون مقابل، بإنسانية، هذه الانسانية ماتت اليوم.
لا يتعلق الامر بالطبابة فقط ايضا هناك خوف من الانجاب، فالطفل يحتاج مصاريف طائلة: حليب غير متوفر، وحفاضات اسعارها نار، ادوية باهظة الثمن وبعضها مفقود، ما يحول دون تفكير الزوجين بالانجاب. حسن احد هؤلاء الاشخاص، تزوج قبل اربع سنوات، يبعد فكرة الانجاب نهائيا، اقله في ظل الازمة، فهو يدرك انه عاجز عن تأمين احتياجاته مع زوجته، فكيف بوجود طفل رضيع يتطلب موازنة كبرى خارج قدرته، يقول حسن ان راتبه لا يصل الى الـ100 دولار، وان حمل زوجته يتطلب شهرياً بين معاينة طبيب وفحوصات وأدوية ما يقارب المليون ليرة لبنانية واكثر، «هذا إن لم يطرا شيء آخر، ونحن نعيش في قلب العاصفة، ما دفعني للتفكير رغم انني بت على حافة خسارة فرصة الانجاب، ولكن ماذا نفعل، هل ننجب طفلاً ونعذبه معنا؟».
قبل سنين خلت، كان الانجاب اول فكرة تطرأ على بال الزوجين، اليوم باتت آخر الافكار، حتى ان نسبة الحمل انخفضت بشكل ملحوظ وهذا ما يشير اليه الدكتور حسن عازياً السبب الى الوضع الاقتصادي الراهن، «فالسيدة باتت عاجزة عن اجراء فحص دوري فكيف بفحص الحمل، وتراجع النسبة سينعكس حتماً على النسل والواقع الاجتماعي، ولكن المتزوجين يفكرون بتأمين لقمتهم اكثر من تفكيرهم بطفل يملأ حياتهم».
كان حلم فاطمة ان تصبح امّاً، انتظرت اكثر من عشر سنوات هذا الحلم، وما إن تزوجت حتى هبطت الازمات وخسر زوجها قيمة راتبه، وحلمها بات كابوساً، اذ وقعت بين سندان تقسيط المنزل والاعباء المترافقة ومطرقة خسارتها حلم الانجاب، وبين الاثنن لم تجد خياراً آخر سوى ابعاد الفكرة اقله عامين لانه كما تقول «ما قادرين نأمن ابسط المقومات بنزين ومازوت واشتراك ويطير المعاش، فكيف مع طفل؟». ادى انحلال الواقع المعيشي الى تغيير التفكير لدى الناس، باتت احلامهم تقتصر على تأمين المازوت، بعدما كان حلمهم سيارة وطفلاً وبيتاً وسفراً. نجحت السلطة في اقصاء الناس عن احلامها، حتى حلم العلاج والطبابة بات خارج حساباتهم، فلا الدواء متوفر ولا الطبابة كذلك، حتى البنادول الذي كان كالفطر ينتشر في الصيدليات والمستوصفات، بات محدوداً وبالقطارة والظرف الواحد ثمنه 40 الف ليرة، اي ثمنه يصيب بوجع راس، اكثر مما يطبّب.
باختصار، حدّت حكومة الانقاذ من طموح الناس، وبدلا من انعاش الواقع المعيشي فرضت مزيداً من الضرائب، والخوف الاكبر ان تنقلب لعبة خفض الدولار على الناس مزيداً من ارتفاع الدولار، ويطير معها حتى الحلم بشراء ربطة خبز. فالى اين تريد ان توصل حكومة الانقاذ الناس؟ هل الى الانتحار؟
بقلم رمال جوني