حادثة العاقبية: الرواية الكاملة

ليبانون ديبايت" - وليد خوري
بدأت عملية احتواء الحادث الخطير الذي شهدته بلدة العاقبية، وأسفر عن مقتل عنصر من قوات اليونيفيل وجرح آخرين. في المقابل، إستلمت مخابرات الجيش التحقيقات في الحادث، وعلم "ليبانون ديبايت" أن استخبارات الجيش حازت حصرية التحقيقات بناءً على إشارة قضائية.

روايتان تقدمان صورة ما حصل، تفيد الأولى أن دوريةً تابعة للكتيبة الإيرلندية في قوات اليونيفيل، كانت متجهة بمهمة روتينية إلى مطار بيروت الدولي، وعند وصولها إلى مفترق أبو الأسود حوالي الساعة 11:00 ليلاً، إنعطفت إحدى الآليات واتجهت نزولاً صوب الطريق البحري، فيما استمرت الثانية بسلوك نفس المسار الآمن المعتمد على الأوتستراد. ومن هناك سلكت الآلية "التائهة"، طريق عدلون باتجاه الصرفند وكانت تسير ببطء، فلاحظها شبان، واتجهت صوبها مجموعة منهم، للإستفسار عن سبب وجودها.
وبعد مناوشة، إنطلقت السيارة العسكرية مسرعةً لتدهس شاباً من المتواجدين، فقام بعض الشبان على متن دراجات نارية وسيارات، بملاحقة "الجيب" الدولي، فيما ظهر أن اتصالات بين الأهالي وتداول مقاطع صوتية عبر خدمة واتس آب، قد أجّج الموضوع،

لغاية وصول الآلية إلى بلدة العاقبية مقابل مطعم "الديوان"، حيث حصل إطلاق نار من أسلحة خفيفة (مسدسات) بعد محاصرة الجيب، وأدى ذلك إلى انعطافٍ شديد للسيارة، واصطدامها بأحد المحال وهو كناية عن "فرن حراري" لطلاء السيارات.

أمّا الرواية الثانية، فتفيد أن جيباً عسكرياً تابعاً للكتيبة الإيرلندية يضمّ 4 عناصر، قد حاد عن الأوتستراد، وافترق من جهة مفرق السكسية، ودخل بلدة العاقبية، حيث تجمهر حشدٌ من المواطنين حوله، بعد التباسٍ وقعوا فيه نتيجة دخول الآلية منطقةً خارج نطاق عملها ودون وجود آليات للجيش اللبناني.
وبعد محاصرة الآلية وحصول مناوشة مع الأهالي، بادر أفرادها إلى القيادة بشكلٍ معاكس، ما تسبّب بإصابة أحد المواطنين، وعندها، لاحق المواطنون السيارة، وما لبث أن حصل إطلاق نار، أدى لاصطدام الجيب العسكري بأحد المحال.

عملياً، تتابع مخابرات الجيش عدة فرضيات في التحقيق، بدايةً، من أطلق الرصاصة الأولى ومن المسؤول عنها؟ وهل بدأ إطلاق النار من القوات الدولية أم من جانب الأهالي؟ وهل أُصيب السائق ما أدى لانعطاف الجيب بقوة وارتطامه بأحد المحلات وسقوط إصابات بين الجنود، أم أن الحادث عرضي نتيجة الخوف؟ وهل حصل اعتداء على الأفراد وهم مصابون، ما أدى إلى اضرار إضافية أم لا؟ وهل تمّت مصادرة أعتدة حربية وأجهزة إلكترونية في حوزة أفراد الدورية؟

من جهةٍ أخرى، بدأت الروايات تتوالى وكذلك الفرضيات. فما هو السرّ الذي كمن خلف استمرار السيارة العسكرية "التائهة" بسلوك ممرٍ غير آمنة وغير مدرج ضمن المسارات المعتادة للقوات الدولية؟ وهل كانت في مهمةٍ أخرى غير تقليدية؟ ولماذا لم يحصل تواصل بين العناصر وغرفة العمليات والتوجيه لتحديد موقعهم وإعادتهم إلى مسارهم؟

وفي هذا السياق، علم "ليبانون ديبايت" أن القوات الدولية بدأت تحقيقاتها في الحادث إلى جانب تعاونها مع القوات المسلحة اللبنانية، بالتوازي مع تحقيقٍ داخلي تجريه مع غرفة "الكونترول" المسؤولة عن تحديد المسارات.

مصدرٌ ٌمعني قال لـ"ليبانون ديبايت"، إن القوات الدولية كانت في صورة وجود تهديدات منذ ما يقارب الشهرين، وبموجب ذلك أبلغت تعليمات إلى كافة الوحدات بضرورة توخّي الحذر، والتنسيق الدائم مع غرفة "الكونترول"، والعودة إليها في أيّ تحرك، وعدم التحرك أو اتخاذ أي قرار من دون إشارة، واعتماد التقنيات الخاصة بالتوجيه وعدم مخالفة التعليمات.

هذه الفرضية تنسحب على الجو الأهلي العام، ذلك أنه ومنذ أشهرٍ طويلة، إكتسبت تحركات القوات الدولية ودخولها أحياءً شعبية، طابعاً من السلبية، وخلقت الريبة لدى الأهالي. وما ساهم في تغذية الأجواء، ضلوع كتائب محددة من قوات اليونيفيل بمهامٍ غير اعتيادية، أدت إلى تأجيج النفوس واعتبار أن القوات الدولية تعمل على مهامٍ أخرى. وبالتالي، أسفر هذا الجو المشحون، عن نموّ حالةٍ من عدم القبول من جانب غالبية الرأي العام، التي رأت أن تصرفات بعض الكتائب، تستبطن رغبةً في تولّي مهامٍ لمصلحة العدو، أدى إلى ما أدى إليه نهار أمس من احتكاكٍ عنيف ودموي.
"حزب الله" واليونيفيل

من الواضح أن "حزب الله"، تعامل بدقة شديدة مع التطور، وصولاً إلى تفويض الأجهزة الأمنية، التحقيق في الحادث ورفع الغطاء عن المرتكبين، وهو قرارٌ متّخذ من جانب الثنائي الشيعي ككلّ، فيما لا تُستثنى منه القوى السياسية الأخرى المنتشرة على طول خط الحادث.

وفي حين يؤخذ على "حزب الله"، الذي تبلّغ بدخول الآلية منطقةً خارجة عن نطاق انتشارها، تأخّره في إبلاغ القوى العسكرية، عن تحركات أهلية ووجود سيارة لليونيفيل، تبدو قيادة القوات الدولية، بعيدةً عن توجيه أي اتهامٍ سياسي، بدليل البيان الذي أصدره الناطق باسم القوات الدولية أندريا تيننتي، واتسم بالهدوء الشديد. وفي المعلومات، أن قائد بعثة اليونيفيل اللواء أرودلو لازارو، يتابع شخصياً التطورات، وسيستخدم علاقاته في سبيل الوصول إلى الرواية الحقيقية حول ما حدث.

وبينما كان الحرصُ واضحاً لدى المعنيين المباشرين بالحادث، تعاملت بعض الشخصيات برعونةٍ شديدة، ما بين رغبة في استثمار الحادث وتوظيفه في متاهات سياسية داخلية، ومحاولة صبّ الزيت على النار بين بين الأهالي والقوات الدولية من جهة، وافتعال أزمة بين الحزب وقوات اليونيفيل من جهة ثانية.
صعوبة الموقف تظهر من خلال توقيت الحادث مع المساعي الجارية لإدخال تعديلات على مهام القوات الدولية، ما يثير خشيةً من احتمال استغلال ما جرى، لإدخال تفويضٍ جديد أو تغييرات ذات طبيعة مختلفة عمّا ورد في أساس القرار الأممي 1701 ، المعتمد كتفويضٍ صالحٍ لعمل القوات الدولية جنوب الليطاني، أو استخدام الحادث على طاولة مجلس الأمن، من أجل تعزيز المهام من جانب واحد. وبالمناسبة، ينتظر التقرير الشهري الذي يعدّه مجلس الأمن حادثةً من هذا النوع للبناء عليها، في ادعاء وجود خطر على القوات الدولية، وضرورة تحرير أنشطتها وتوسيعها أبعد من الحدود الجغرافية أو المستويات المعمول فيها.