القرش الأصفر لليوم الأسود .. هل حان الوقت؟
تاريخ النشر : 05-04-2023
" اخطر ما اعلنه وفد صندوق النقد الدولي بعد زيارته بيروت أن لبنان يقف حالياً عند مفترق طرق خطر، ومن دون الإصلاحات السريعة سيغرق في أزمة لا نهاية لها، معلنا أنه "أصبح لزاماً على الحكومة والبرلمان والبنك المركزي (مصرف لبنان) معاً اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للتصدي للضعف المؤسسي والهيكلي طويل الأمد".
إن المُشكلة ليست بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي أو عدم الاتفاق معه. يقول الخبير الاقتصادي والمالي جاسم عجاقة لـ"لبنان24". فالمُشكلة هي في إجراء الإصلاحات المطلوبة التي هي أكثر من ضرورية في وضع لبنان الحالي. عمليًا سواء ذهبنا إلى إتفاق مع صندوق النقد أم لا، من دون إصلاحات نحن ذاهبون إلى الهلاك، والثمن أكبر من أن يتحمّله لبنان.
ويضيف: البعض من السياسيين يراهن على إستخراج الغاز، إلا أن هذا الرهان هو رهان خاسر، لأن المجتمع الدولي مُجمع على أن لا إيرادات للدولة اللبنانية من الغاز الذي سيُستخرج من دون إصلاحات. لذا نرى أن القضية أبعد من اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يلعب دور المراقب في هذه اللعبة – أي أن الاتفاق هو لمراقبة تنفيذ الإصلاحات ونصح الحكومة بأفضل السيناريوهات الموجودة. بالطبع هذا لا يعني فقدان السيادة لأن القرار يبقى بيد الحكومة اللبنانية ولا أحد غير الحكومة اللبنانية. وبالتالي وصف الأمر كأنه مسألة إتفاق مع صندوق النقد الدولي هو تبسيط كبير للواقع.
أصول الدولة
إن احد شروط صندوق النقد الدولي هو خروج الحكومة من المجال الاقتصادي. وهذا أمر لا يعني بالضرورة خصخصة أصول الدولة، يؤكد عجاقة، فالشراكة بين القطاع العام والخاص هي أمر مُحبّذ في حالة لبنان نظرًا إلى الفساد المُستشري والذي قد يؤدّي في حال الخصخصة إلى بيع أصول الدولة بأثمان بخيسة! إلى ذلك قد يطلب صندوق النقد الدولي من الحكومة اللبنانية بيع أصول تملكها بهدف تأمين سيولة، وهذا أمر حصل في العديد من الدول التي طلبت مساعدة صندوق النقد الدولي، إلا أننا غير مُلزمين الذهاب في هذا الخيار حتى ولو طلبه صندوق النقد الدولي خصوصًا أن العديد من الدول الخليجية والدول الصديقة للبنان أبدت إستعدادها مساعدة لبنان في حال أجرى الإصلاحات اللازمة.
وامام الانهيار الاقتصادي والنقدي بدأ الحديث عن اقتراب لبنان من النموذج الفنزويلي. وهنا يقول عجاقة للأسف نحن على الطريق!! لكن يجب القول إن هذا الطريق طويل وفيه الكثير من المُعاناة للشعب اللبناني. لذا فعلًا الإصلاحات – بغض النظرّ عن الاتفاق مع الصندوق – أصبحت أكثر من ضرورية. المُعاناة التي سيتعرّض لها الشعب اللبناني ستؤدّي حكّمًا إلى زيادة الهجرة وزيادة العنف والسطو وغيرها من الأمور التي تحصل في فنزويلا وفي العديد من الدول الفقيرة.
ويضيف: يقول أفلاطون أن الشعب مقسوم إلى قسمين: عامة الشعب وعددها كبير وهي لا تعرف كيف تُدير أمورها، والنخبة السياسية وعددها قليل ومُهمّتها إدارة مصلحة عامة الشعب. وهذه النخبة تتمتّع بميزة الفضيلة التي تجعلها تُبدي مصلحة عامة الشعب على أي مصلحة أخرى. اليوم مصلحة عامة الشعب هي في إجراء الإصلاحات، فهل تملك النخبة السياسية اللبنانية الفضيلة التي تحدّث عنها أفلاطون.
وفي ظل التخبط بالازمات السياسية والاقتصادية ناهيك عن النزيف المالي الحاصل، فإن الترقب سيد الموقف لموازنة العام 2023 التي تعدها وزارة المال والتي يفترض ان تعتمد سعر صرف موحد، خاصة وان تعدّد أسعار الصرف له سيئات كثيرة منها المضاربة واستنزاف الإحتياط وغيرها. في حين أن توحيد سعر الصرف يمكن وصفه ، بحسب عجاقة بالسهل نظريًا حيث يتم وضع كل الأسعار على سعر السوق السوداء، إلا أنه وفي ظل غياب الإصلاحات هذا الأمر يعني دولار بأرقام خيالية سينهار بعدها لبنان بشكل شبه فوري مع إنهيار إجتماعي مُريع خصوصًا أننا نشهد جشعا كبيرا من قبل اللاعبين الإقتصاديين (تجّار، وصيارفة...). لذا من الضروري أن يواكب توحيد سعر الصرف عملية إصلاحية شاملة مع ضخ أموال بالعملة الصعبة من الخارج، وهنا تكمن أهمية توقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي الذي سيُعطي لبنان صدقية أكبر تسمح للمستثمرين بضخ العملة الصعبة في الاقتصاد اللبناني.
احتياطي الذهب
وبناء على كل ما تقدم تتزايد المخاوف من امتداد اليد الى احتياطي الذهب في لبنان، وسط الحديث عن جفاف للاحتياط من العملات الصعبة. لكن مما لا شك فيه ان كل إقتصاد لا يستطيع أن يكفي مُتطلبات سوقه الداخلي يحتاج إلى عملة صعبة لكي يستورد حاجاته. وبالتالي مُشكلة عدم توفر العملة الصعبة تؤثّر بالدرجة الأولى على الأمن الغذائي للشعب. أيضًا من المعروف أن العملة الوطنية تعكس ثروة الاقتصاد، من هذا المُنطلق إذا كان الاقتصاد ضعيفا فإن العملة الوطنية تعتمد على الإحتياط من العملات الصعبة للصمود أمام الزيادة في المعروض بهدف الإستيراد. من هنا فإن لبنان الذي يستنزف إحتياطاته منذ أربع سنوات من دون أن يكون هناك من دخول للعملة الصعبة (بسبب التوقّف عن دفع سندات اليوروبوندز) ومع سقوط القطاع المصرفي أمام طلبات المودعين، سيواجه أزمة إستيراد وأزمة عملة كبيرة في المرحلة المقبلة يقول عجاقة.
ويضيف: الذهب هو من الأصول التي تعتبر ملاذا أمنا ، وتاريخيًا كان العملات مرتبطة بالذهب إلى حدّ فك هذا الإرتباط الميكانيكي مع احتفاظ الدول باحتياطات من الذهب بهدف دعم العملة الوطنية. ولذلك فإن وجود الذهب في الإحتياطات الأجنبية للمصارف المركزية يهدف قبل كل شيء إلى زيادة الثقة بالعملة الوطنية. والمسّ بالذهب – المحمي بالقانون – بهدف الإنفاق الجاري هو جريمة، إذ أن المس به يجب أن يكون ضمن خطّة إصلاحية شاملة مع خطّة لإعادة تكوين الإحتياطي من الذهب.
وحتى الأن يُمكن القول، بحسب عجاقة، إن الذهب محمي من القانون وبالتالي بدون قانون من المجلس النيابي لا يُمكن المسّ به. إلى هذا لا أحد يعلم مع الانسداد في الأفق السياسي، إلى أين مُمكن أن تصل الأمور ، وبالتالي نعم هناك مخاوف أن يتمّ إستخدام عبارة "القرش الأصفر لليوم الأسود"! إلا أن هذا الأمر ، وبدون خطّة، سيكون بمثابة جريمة.