ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، اعتبر فيها أن “ما فضحته العاصفة من عيوب واهتراء وفوضى عارمة في الدولة ومؤسساتها، يبين بوضوح أننا أمام أزمات لا تنتهي، وأن الإنقاذ الذي يتحدثون عنه والخطط النهضوية والاقتصادية وما سيرافقها من عمليات إصلاح وتغيير ومكافحة فساد ومحاسبة فاسدين، ما هي إلا خطابات في الهواء لبرامج وهمية، هدفها الوحيد حرف الأنظار عن حقيقة واقع سياسي لا يمكن أن يستقيم أو يتغير، طالما أن ثقافة الشعور بالمسؤولية الوطنية غير متوفرة، ولا تعني أي فريق من الأفرقاء السياسيين، الذين يؤكدون كل يوم، وعند كل استحقاق، أنهم غير معنيين إلا بما يخدم مصالحهم، ويحقق مكاسبهم، ويؤمن حصصهم التي أكلت حصة الوطن والمواطن. وما شهدناه أثناء العاصفة يكشف مدى انعدام الضمير وقلة الأخلاق عند الأغلبية السياسية التي لم تترك بابا من أبواب الفساد إلا ودخلته، مطلقة العنان لنزواتها ولشهواتها ولانقساماتها، وممعنة في التعطيل وتخريب ما تبقى في هذا البلد، حارمة أبناءه من أي بارقة أمل”.
وقال: “أمام هول الكارثة، وصور الناس وعذاباتها المأساوية في المناطق والمنازل وعلى الطرق، يمكننا القول أن الدولة سقطت، وأن السلطة وصلت في فشلها إلى مستويات مخزية، الأمر الذي يجعلنا ألا نراهن على عهد ولا على حكومة، حتى وإن تشكلت، وهي لن تتشكل في ظل هذا التأزم السياسي الذي لا مبرر له سوى غايات في نفوس الذين يخوضون معركة التأليف ليس بدافع الصالح العام، بل من أجل حسابات وارتهانات وغايات سيكون ثمنها وتداعياتها على المستوى الوطني غاليا جدا، وسيدفعه اللبنانيون من أمنهم واستقرارهم ومصير بلدهم الذي بات على المحك، جراء الحسابات الضيقة والسياسات الخاطئة والثلث الضامن من أجل طموحات سلطوية ساذجة، تدفع بأصحابها إلى مغامرات ومقامرات قد تضع البلد أمام تحديات صعبة، حلها لن يكون بالأمر السهل”.
وتوجه بالنصح إلى الجميع بالقول: “أوقفوا لعبة تدمير البلد، إذ يكفي إملاءات من هنا وهناك، لأن من يربح وشريكه خاسر فهو خاسر، ومن يربح وشريكه، فالوطن هو الرابح، لأن الشراكة المتوازنة ليست خيارا بل ممرا إلزاميا لنا جميعا كي ندخل معا في دولة المواطنة والإنسان في لبنان”.
وإزاء ما يجري من تجاذبات وانقسامات ومزايدات حول انعقاد القمة العربية الاقتصادية في لبنان، بين مؤيد ورافض لحضور سوريا توجه إلى السياسيين بالقول: “تعقلنوا، وتعاملوا مع موضوع العلاقة مع سوريا من باب المصلحة اللبنانية العليا التي تستدعي مواقف وقرارات وطنية جريئة، بعيدا عن الاعتبارات الفئوية والشخصية، ووفقا لما يقتضيه الواقع اللبناني الذي لا يمكن أن يكون في موقع المعادي أو المتخاصم مع سوريا؛ ولهذا فنحن نرحب وننوه بعودة العرب إلى سوريا، ونؤكد ضرورة العمل لإنقاذ العرب من ورطة التبعيات، التي مزقت عرى قضاياهم، وحوّلتهم إلى مطايا لمصالح الآخرين، على حساب دولهم وشعوبهم وثرواتهم، لأن ما حصل في سوريا والعراق ويحصل في اليمن وليبيا كشف كم كانت المؤامرة كبيرة على وحدة العرب، والجرائم فظيعة بحق الأمة. وعليه فإن الوحدة العربية تبدأ من سوريا، وما دونها مجرد عشائر سياسية وقبائل متناحرة، ولهذا نرفض استبعاد سوريا وعدم دعوتها إلى حضور القمة، ولن نقبل بتجاوز دورها الرائد وهويتها المقاومة والممانعة والرافضة لأي تسليم أو استسلام”.
أما بخصوص دعوة ليبيا، فأكد “رفضنا لهذا الحضور تحت أي عنوان قبل جلاء حقيقة ما جرى لإمام المقاومة السيد موسى الصدر ورفيقيه، هذه القامة التاريخية التي حافظت على صيغة لبنان، ودافعت عن الكيان والسيادة والاستقلال، وأسهمت في إنضاج الفكر السياسي والحضاري والثقافي، لن نقبل بحضور نسخة رديفة لنظام القذافي التي لا تزال تصر على إخفاء معلومات من شأنها كشف لغز ما جرى للإمام الصدر. فالإمام الصدر قامة بحجم وطن وأمة، وسيبقى أكبر بكثير من قضية بروتوكولات وقمم عربية وإسلامية، وأي تقصير أو مساومة على قضية إخفائه هو جريمة موصوفة بحق لبنان واللبنانيين”.