حكومة البحث عن المستحيلات......بقلم مبارك بيضون

ليس خافيًا أنه رغم تمسك "حزب الله" بالرئيس المكلف سعد الحريري، فما زالت العقبات حول مصير تأليف الحكومة أبرز الملفات داخل المكون السياسي الداخلي، حيث تظهر في بعض الأحيان بوضوح. ويعمل كل فريق على تحميل المسؤولية للآخر، وبدأت مؤشرات تلوح في الأفق، تؤكد أن الخلاف - جوهرياً - قد يصل ربما إلى اهتزاز العلاقة في الآونة الأخيرة بين التيار والحزب، لا يستطيع كل من الطرفين إخفاءه.
دون ذلك تبرز العوامل الخارجية عند كل محطة تغيُّر في المشهد السياسي العام، ليكون لها أثر في الداخل، قد يجبر البعض على تغيير موقفه باتجاه مستجدات خارجية مجبر عليها أيضاً.
قيل مراراً في الأشهر الأولى من التكليف: إن إيران تمنع تأليف الحكومة. وقيل أيضاً: إن السعودية وراء العرقلة حتى تستعيد تطبيع علاقتها مع الحريري. ثم قيل: إن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول، والحملات التي تعرّضت لها المملكة على الإثر، وذهاب الحريري إليها وعودته، سهّلت التوصل - أو كادت - إلى تأليفها في 29 تشرين الأول. وقيل أيضاً: إن إعلان واشنطن في 14 تشرين الثاني فرض عقوبات على "حزب الله" حمله على التشدد، ثم تراخى بعد 10 كانون الأول، فلعله اكتشف عدم فاعلية العقوبات تلك، فسهّل مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون. ويقال في الوقت الحاضر: إن التحوّل العربي حيال سوريا والاقتراب منها، يساهم في جمود التأليف، ريثما يتأكد مصير عودتها إلى الحظيرة العربية وتوقيته. ومن ثم ربط التأليف بهذا الاستحقاق مع تصاعد أصوات مؤيدة في الداخل، وأخرى منددة، تومئ بعودة دمشق إلى اللعبة الداخلية.. من خلال حليفها القوي "حزب الله" وغيره...
هكذا يقول المحللون والسياسيون، وهذا ما قرأناه في الصحف، وسمعناه من شاشات التلفزة.
لكن هل الحقيقة كلها في ما قيل ويقال؟!
لقد ردّ البعض سبب فرملة الحكومة إلى أسباب خارجية تتعلق بالعقوبات الأميركية، والتي بدأت بتنفيذها، ووصف البعض هذه العقوبات بالقاسية، لما لها من أثر سلبي بالنسبة للجمهورية وحلفائها، لأن الرئيس ترامب جاد وفاعل في اتخاذ هكذا قرار، أكثر من سلفه أوباما، فالظروف كانت مختلفة آنذاك (الاتفاق النووي كان حيز التنفيذ)، بينما اليوم الرئيس ترامب يرى الفرصة متاحة له للضغط على إيران، من أجل إعادة النظر في الاتفاقية النووية، والتحكم بأسعار النفط عالميًّا، وحصرها أكثر فأكثر اقتصاديًّا، وشحن مناخ داخلي معارض لها، كالذي شاهدناه في بعض القرى الإيرانية، بفعل أوامر خارجية، كما صرح به مسؤولون إيرانيون.
ومن هنا يمكن القول أيضًا: إنه - ربما - لأميركا وحلفائها مآرب بعدم تأليف حكومة في الوقت الراهن لأسباب عدة، ومنها عدم مشاركة "حزب الله" في الحكومة، لأن مشاركته تعد انتصارًا له في هذه المرحلة، ولخط الممانعة، وانتصارًا للدول الداعمة له ولنهجه، وخاصة بعد بقاء الرئيس بشار الأسد رئيسًا للدولة السورية، وانتصاره في الميدان مع حلفائه "حزب الله" وإيران، ومعادلة دولية بين الراعيَين الأساسين الأميركي والروسي، بعدما كان مستبعدًا من قبل، وبعد الانفراد الأميركي الأحادي.
فإذا كانت التجاذبات السياسية والعسكرية على هذا المستوى، فالأفضل عدم تحميل المسؤولية لوزير سني من هنا، ودرزي من هناك.. وطالما ما يجري من صراع بين قوى كبرى دولية وإقليمية - تبعًا لما أوردنا - من جهة، ومآرب دول أخرى معنية بقوة، من جهة أخرى، لا تستطيع أي قوة خارجية أو داخلية تجاهلها، رغم انشغالها الحاليّ بقضاياها، وحربها، وميزانيتها، فهي القادرة - عندما تخرج من أزماتها - أن تكون عاملًا رئيسًا في الحل، فهي شريك في حلّ قضاياه، من خلال ترتيبات خاصة.. وبانتظار ذلك.. عسى انفراج قريب باتجاه لبنان...