إنفجار في ملف الإسكان.. الأزمة إلى تعقيد: لا بيوت للفقراء!

لا يبدو أن ملف القروض الإسكانية المدعومة سينفرج قريباً، رغم تأكيد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، مؤخراً، إطلاق رزمة جديدة لدعم القروض الإسكانية، في وقت قريب. فالعُقد التي تواجه الملف، وتعرقل مساعي المؤسسة العامة للإسكان، لإيجاد حل للأزمة الإسكانية، يراعي الطبقات الفقيرة والمتوسطة، قد تُحدث إنفجاراً بالملف وليس انفراجاً له. فاستمرار أزمة تعليق الإقراض الإسكاني المدعوم، مرده أولاً وأخيراً إلى “القطاع المصرفي”.
لا يبدو أن ملف القروض الإسكانية المدعومة سينفرج قريباً، رغم تأكيد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، مؤخراً، إطلاق رزمة جديدة لدعم القروض الإسكانية، في وقت قريب. فالعُقد التي تواجه الملف، وتعرقل مساعي المؤسسة العامة للإسكان، لإيجاد حل للأزمة الإسكانية، يراعي الطبقات الفقيرة والمتوسطة، قد تُحدث إنفجاراً بالملف وليس انفراجاً له. فاستمرار أزمة تعليق الإقراض الإسكاني المدعوم، مرده أولاً وأخيراً إلى “القطاع المصرفي”.
مفاوضات بلا نتيجة
منذ 25 أيلول 2018، تاريخ إقرار مجلس النواب فتح اعتماد إضافي، في قانون الموازنة العامة، “لدعم الفائدة على القروض الجديدة المموّلة، بالتعاون بين المؤسسة العامة للإسكان والمصارف التجارية، لذوي الدخل المحدود”، وحتى اليوم، لم يُحرز الملف أي تقدم يُذكر. لا بل زادت الأمور تعقيداً، لأكثر من سبب يتعلّق بالقطاع المصرفي (جمعية المصارف والمصرف المركزي). ومنذ ذلك الحين، تجري مفاوضات حثيثة بين المؤسسة العامة للإسكان وجمعية المصارف، لإيجاد صيغة حل يلائم الجميع، من دون أن تسفر المفاوضات عن أي نتائج إيجابية حتى اللحظة.
وبعد مرور نحو عام كامل على توقف عملية الإقراض السكني المدعوم، وافتقاد آلاف المواطنين اللبنانيين القدرة على امتلاك مسكن، وتراجع نشاط قرابة 38 قطاعاً إنتاجياً مرتبطاً بالقطاع السكني.. بعد كل ذلك، لا زالت لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية، المخولة متابعة الملف، تبحث في اقتراحات لا تتعدى مستوى الأفكار (مجرد أفكار)، ولم تدخل الدولة (حكومة أو لجنة نيابية أو وزير مال)، حتى اليوم، على خط الأزمة الحقيقية التي تحول دون إيجاد حل سريع، ريثما تتمكن الدولة من وضع استراتيجة إسكانية شاملة.
لا ضير من البحث في اقتراحات وأفكار، لحلول جذرية، كتلك التي تم طرحها في الاجتماع الأخير للجنة الصحة، كـ”مباشرة الدولة بناء وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود”، على سبيل المثال، أو اقتراح أن تساهم الدولة بنسبة 20 في المئة في مصرف الإسكان، تحول إلى حسابات المؤسسة.. وغيرها. ولكن، إلى حين التوصل إلى حلول جذرية، وإقرار مثل تلك الإقتراحات التي تستلزم، بالمنطق اللبناني، عقوداً لإقرارها – وليس سنوات- إلى ذلك الحين، هل تبقى أزمة الإسكان عالقة؟ وهل تبقى رهينة “طمع” المصارف وتسلّطها في غياب الدولة؟
منذ إقرار مجلس النواب 100 مليار ليرة، دعماً لفوائد قروض الإسكان، لم يتم الإتفاق مع المصارف على استئناف عملية الإقراض السكني، لأكثر من سبب، أهمها عدم التوافق على مؤشر الفوائد المعتمد في الإقراض، إضافة إلى عقبة تعميم مصرف لبنان رقم 503 الذي يحد من قدرة المصارف على الإقراض بالليرة. يقول مدير عام المؤسسة العامة للإسكان، روني لحود، في حديثه إلى “المدن”: “..والنتيجة أن عراقيل استئناف الإقراض السكني المدعوم ترتبط بالمصارف من جهة وبالبنك المركزي من جهة أخرى”.

عقبة الفوائد
بالنسبة إلى العقبة الأولى، المرتبطة بالفائدة على الإقتراض السكني، فالمصارف ترفض أن تحتسب فائدة القرض المدعوم على أساس مؤشّر سندات الخزينة، المعتمد سابقاً مع المؤسسة العامة للإسكان. كما ترفض أن تعتمد مؤشّر مصرف لبنان السابق، يقول لحود، فالمصارف تترقب إصدار مصرف لبنان الرزمة الجديدة، المخصصة لدعم القرض السكني، ومؤشر الفائدة الجديد، لتأخذ قرارها النهائي بالفائدة المعتمدة، علماً أن المصارف أصرّت، حسب مصدر لـ”المدن”، على اعتماد مؤشّر الفائدة الصادر عنها، والذي ارتفع كثيراً في الأشهر الماضية حتى بلغ 11.9 في المئة. وهو ما رفضته المؤسسة العامة للإسكان بشكل قاطع، لأنه يحمّل المواطن أعباء كبيرة. وكان لحود قدّم عرضاً للمصارف، يرتّب على المواطن فائدة لا تتجاوز 5.5 في المئة إلا أنه لم يلق ترحيباً من المصارف.

عقبة التعميم 503
أما عقبة تعميم مصرف لبنان رقم 503، والذي تستخدمه المصارف للضغط على مصرف لبنان، بغية إلغائه أو تعديله، فينصّ على أنه لا يجوز أن يزيد صافي التسليفات الممنوحة من المصرف للقطاع الخاص بالليرة اللبنانية عن 25 في المئة من مجموع ودائع الزبائن لديه بالليرة. كما يتوجب على المصارف إيداع قيمة كل فرق يزيد عن النسبة المحدّدة، في حساب مجمّد لدى مصرف لبنان، من دون فوائد، وذلك لحين تسوية هذا التجاوز. وتمنح المصارف التي تكون في وضع مخالف مهلة حدّها الأقصى 31 كانون الأول 2019، لتسوية أوضاعها. ولأن القطاع المصرفي تجاوز سقف التسليفات المسموح به بالليرة بأشواط، أي تجاوز الـ25 في المئة من مجمل الودائع بالليرة، إذ بلغت التسليفات المصرفية بالليرة نحو 37 في المئة، بمعنى أنه يتوجب على المصارف خفض حجم تسليفاتها بالليرة نسبة إلى الودائع بنحو 12 في المئة، فبات من غير الممكن، بالنسبة إلى المصارف، التسليف بالليرة للقروض السكنية. وهي حسب المصدر، تستخدم ملف الإقراض السكني للضغط على مصرف لبنان، ودفعه إلى تعديل التعميم 503، ورفع سقف التسليفات بالليرة.

الرزمة الجديدة
وبالعودة إلى الرزمة الجديدة التي سيطلقها مصرف لبنان، في وقت قريب، والتي بشّر بها سلامة منذ أيام، فهي كما ذكرت “المدن” سابقاً، لن يبقى منها سوى الفتات. إذ من المرجّح أن يخصص مصرف لبنان للعام 2019 رزمة مالية بقيمة 750 مليار ليرة على غرار العام 2018، على أن تُحسم منها قيمة ملفات طالبي القروض التي علقت عام 2018، وكانت حاصلة على موافقات المصارف دون المصرف المركزي، وعددها نحو 500 ملف. كما ستُحسم من رزمة الـ2019 القروض التي حصلت على موافقة المصرف المركزي، وعددها 1750 ملفاً، وتبلغ قيمة جميع الملفات المذكورة نحو 500 مليار ليرة (450 مليار ليرة قروض لمدنيين و50 مليار ليرة لعسكريين)، أي أنه سيتم حسم هذا المبلغ من الرزم المالية التي سيضخها مصرف لبنان. وهو ما أكده لحود. ولن يتبقى سوى 250 مليار ليرة بالحد الأقصى، من المبالغ المرصودة للإقراض السكني. وهي لا تكفي سوى لعدد قليل جداً من الملفات.
ومن المتوقع أن تستمع لجنة الصحة النيابية في الايام المقبلة إلى جمعية المصارف والمصرف المركزي في ما خص أزمة الإقراض السكني، والبحث في حل للأزمة، من هنا يرى لحود أنه ليس كافياً موافقة المصارف على فوائد مقبولة وغير مجحفة بحق المواطن إنما المطلوب أن تقتنع بها تجنباً لأي عراقيل في المستقبل.