القاضي أماني سلامة باسم نادي قضاة لبنان المجرمون بحق الدولة معرفون...ولحصر التشكيلات بمجلس القضاء

القاضي أماني سلامة:

أيّها السيّدات والسادة،
لم يعد لدينا ترف الوقت ولا ترف الديبلوماسية ولا ترف غضّ النظر ولا ترف الحياد، فلنقلها بصوت عالٍ: إنّ الدولة تحتضر والمال العام مستباح، فليقم كلّ واحد منا بدوره، وليتحمّل أركان الدولة مسؤوليتهم ولتحاسب السلطة القضائية من يجب وكما يجب!
إنّ دور القضاء في بناء الدولة الفاعلة والقادرة هي حقيقة مطلقة يردّدها كلّ من ينوي مكافحة الفساد وإطلاق الشعارات الجميلة، إنّما لا بدّ من أن تترافق هذه الحقيقة المعلنة مع إرادة صادقة في تطبيق هذه الشعارات عبر تمكين الدولة من فرض وجودها وهيبتها دون أيّة حسابات أم مساومات قضت للأسف على مؤسّساتها.
فالفساد ليس وهماً أم سراباً ام طيفاً كما يشعر المواطن بسبب تجهيل الفاعل وتسخيف الخطأ وبالتالي، كما أنّ الضحية معروفة وجلية، تئن من فم كلّ مواطن شريف وترزح تحت دين عام بلغ حوالي مئة مليار د.أ. رفعها إلى مصاف ثالث أكبر مديونية في العالم، إنّ المجرمين بحقّ الدولة معروفون حتماً وموجودون فيما بين كلّ واحد منا، فآن الاوان لكشفهم ومحاسبتهم دون هوادة.
إنّ هذه المحاسبة الأساسية لبناء أيّة دولة، أكّد عليها مؤتمر سيدر وخصّها ببند مستقل تحت عنوان مكافحة الفساد كإحدى الشروط لدعم الاقتصاد اللبناني وتمويل مختلف المشاريع الانمائية في لبنان، نظراً لأهمية الشفافية والمحاسبة في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية وتقوية الناتج المحلي وزيادة النمو الاقتصادي ووقف الهدر، وإنّ الوسيلة الاساسية لذلك في بلد ديمقراطي عريق، هي تمكين القضاء من القيام بدوره دون أيّة اعتبارات طائفية وحزبية وسياسية ومناطقية متخلفة: فليستقل القضاء بالنصوص كما بالنفوس وليكن رادعاً لضعيفي النفس!
لذا، إنّ نادي قضاة لبنان المؤسّس حديثاً والذي هو عضو مؤسّس في الاتحاد العربي للقضاة وعضو مراقب في الاتحاد الدولي للقضاة، المخصّصين للنوادي والجمعيات القضائية والذي حجب عنه العلم والخبر، ليس فقط داعماً أساسياً لمبدئي المحاسبة الحقيقية وتفعيل استقلالية السلطة القضائية، إنّما يشكل المبدآن سببي وجوده وهدفيه الأساسيين.
لذلك، يؤكّد النادي على ضرورة إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية بأجنحتها الثلاثة، العدلي والإداري والمالي وليس فقط القضاء العدلي، بأسرع وقت، بالرغم من أنّ مشاريع عدّة كانت تقبع في الادراج منذ فترات طوال لانتفاء إرادة الإصلاح الحقيقية وأنّ المبادئ الأساسية المقترح اعتمادها بشكل عام والتي سوف تكون موضوع عملنا التفصيلي اللاحق، هي التالية:
1- حصر تشكيل مجلس القضاء الأعلى بالقضاة فقط، ينتخبون من جميع القضاة العدليين لفترة زمنية محدّدة، رئيساً وأعضاءً، كما انتخاب رئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة من القضاة المعنيين أنفسهم.
2- اعتماد مبدأ عدم نقل القضاة دون رضاهم بخصوص كل المراكز القضائية المدنية والجزائية منها، الا في حال توافر شروط محددة كانقضاء مدة معينة او ارتكاب مخالفة مسلكية او عدم أهلية محددة.
3- حصر صدور التشكيلات القضائية بمجلس القضاء الأعلى دون أي دور لوزير العدل، مع تحديد معايير موضوعية علنية لهذه المناقلات مبنية على العلم والكفاءة والنزاهة
والصلابة والاقدمية فقط، دون أي قيد طائفي، مع تخصيص آلية خطية معينة لإيصال إرادة القاضي في هذا المجال الى مجلس القضاء الأعلى.
4- التأكيد على ضرورة احترام مبدأ ضمان التقاضي على درجتين بخصوص أي قرار تأديبي يصدر عن أي مرجع قضائي والتأكيد على اختصاص مجلس شورى الدولة في هذا المجال.
5- تشريع امانة السر لمجلس القضاء الأعلى وتحديد مهامها وآلية عملها وتشكيلها واعتماد ناطق اعلامي لها لإعلام المواطنين بمسار القضايا التي تهم الرأي العام وإعلان المواقف اللازمة والمدافعة عن القضاة وعن حقوقهم.
6- إقرار صراحة حق التعبير للقاضي ضمن حدود موجب التحفظ الذي لا يعدو عن كونه ضرورة الاحجام عن ابداء أي موقف او التصرف بشكل ينم عن تحيز طائفي او سياسي او فئوي او يمس بهيبة القضاء وباستقلاليته، من تردد الى السياسيين او أصحاب النفوذ او المتمولين او أصحاب الدعاوى ووكلائهم.
7- إقرار صراحة حق التجمع للقضاة الممارس حالياً عبر النادي، وهو حق معترف به وممارس دولياً منذ خمسينيات القرن السابق.
8- إقرار نص صريح يسمح للقضاة العدليين بتولي مناصب إدارية في الدولة بعد استقالتهم بمدة ستة أشهر على الأقل، باستثناء تعيين قاض وزيراً للعدل.
9- اعتماد معايير علمية لتقييم القاضي مرتبطة بأخلاقياته المهنية والاجتماعية ونوعية احكامه وعدد الاحكام المصدرة مقارنة مع الورود وطبيعة اختصاصه.
10- تعزيز وضع معهد الدروس القضائية واعتباره الطريق الوحيد للدخول الى القضاء، مع الغاء علامة الفحص الشفهي، تعزيزاً للشفافية.
11- تعزيز التفتيش القضائي الخاضع لرقابته جميع القضاة، عبر انشاء خط ساخن للمواطنين وتسهيل المراجعات ورفع كل القضاة السرية المصرفية عن حساباتهم وحسابات عائلاتهم المصرفية لصالحه وإبلاغ القضاة القرارات التأديبية الصادرة بحق زميل، متى كانت قاضية بعقوبات معينة، وذلك تأميناً لحسن استعمال حق الانتخاب والرقابة الذاتية.
12- تكريس عدم جواز المس بالضمانات المعطاة للقضاة، كاقتراح توحيد الصناديق مثلاً، الذي أدى طرحه الى أكبر تحرك قضائي والتأكيد على ان أي قانون يطال السلطة القضائية يجب ان يقترن بموافقة السلطات القضائية المسبقة عملاً بمبدأ فصل السلطات.
13- إيلاء الحق لكل من مكتب مجلس الشورى ومجلس القضاء الأعلى وهيئة ديوان المحاسبة اختصاص الطعن بعدم دستورية القوانين التي تمس القضاء، إضافة الى حقهم بالطعن بعدم دستورية القوانين التي تطرح في سياق النظر بالدعاوى، كما وإعادة تكريس اختصاص المجلس الدستوري في تفسير الدستور اللبناني.
14- تعزيز الرقابتين المسبقة واللاحقة للقضاء المالي.
في ضوء ما تقدم، تقتضي الإشارة الى انه لا بد من ان يترافق اصدار القانون الإصلاحي هذا مع نية حقيقية ابضاً لدى كل المسؤولين باحترام كل القرارات القضائية لا سيما الإدارية منها، عبر تنفيذها وعدم الالتفاف عليها، وبتعزيز وضع القضاة وأوضاع قصور العدل التي ان كانت محراباً للعدل، الا انها لا تمت الى القصور بشيء، سواء لناحية لياقة الأبنية ام توافر المكاتب اللازمة ام التجهيزات ام أدنى مقومات الاستعمال من ماء وكهرباء ونظافة وذلك حفاظاً على كرامة المواطنين والمحامين والقضاة.
بالمحصلة، يحيي نادي قضاة لبنان كل الجهود التي تهدف الى تعزيز دور القضاء واستقلاليته من اجل قيامة دولة القانون التي نحلم بها جميعا، لا سيما المشاريع التي تقوم بدراستها السلطة القضائية كمشروع تعديل نظام مجلس شورى الدولة المنظم من المجلس ونحيي ايضاً جهود المفكرة القانونية مشكورة في هذا المجال. ونخص بالشكر فخامة رئيس الجمهورية لإطلاقه للمرة الاولى في تاريخ لبنان ورشة وطنية متعلقة باستقلالية القضاء.
كما يأمل النادي من المشرعين إيلاء إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية بالصيغة الفضلى، بعد الوقوف عند ملاحظات وطروحات مجلس القضاء الأعلى ومكتب شورى الدولة وهيئة ديوان المحاسبة ونادي قضاة لبنان وكل قاض او شخص مهتم، الاهمية اللازمة، لما فيه خير الوطن، كما يتدارس النادي في الوقت عينه اقتراح تعديل بعض القوانين التي تكبل يد القضاء بالأذونات والحصانات والكفالات غير المبررة، فتعرقل مسار العدالة.
أيها السيدات والسادة، ان لبنان على مفترق طرق خطير يتطلب جهوداً استثنائية تتجاوز الانانية والحسابات الضيقة والمصالح الشخصية والفئوية والاقليمية، فلنتطلع ونعمل جميعاً على استعادة وطن الحلم!
ويبقى الامتحان الحقيقي لكل مسؤول، لكل متولي الشأن العام، سؤال نفسه يومياً عن مدى مساهمته في بناء الدولة، اذ وان اختلف الفرقاء على مفهوم الوطن، يبقى مفهوم الدولة ومؤسساتها واحداً لا غير وهنيئاً لكل من يجد جواباً شافياً يومياً، يمنحه شرف مواطنيته!
“محكمة” – الجمعة في 2019/1/18
• ألقيت هذه الكلمة في مؤتمر “استقلال القضاء وشفافيته، بناء المؤسّسات في إطار الأجندة الإصلاحية لمؤتمر سيدر”، الذي نظّمته جمعيتا “المفكّرة القانونية” و”كلّنا إرادة” بالاشتراك مع الائتلاف المدني لدعم استقلال القضاء وشفافيته، والذي عقد بتاريخ 2019/1/17 في فندق البريستول في بيروت.