قصة تلزيمة الـ3 مليار و900 مليون ليرة!

حفلت جلسة الحُكومة ليوم الثلاثاء الفائت، بسلسلة تناقضات «غريبة عجيبة»، تظهرُ أنّ عمل الحُكومة الحاليّة يقوم على قاعدةِ «ضربة على الحافر وضربة على المسمار»، وإنّ السقف هو عدم «زعل فلان أو علّان»بشهادة أعضائها.

وفي وقتٍ كان مجلس الوزراء يُصدر قراره «الأعجوبة» بمنع البلديّات من القيامِ بأي عقد بالتراضي ابتداءً من ١/١/٢٠٢٠، وحدد مهلة ٦ أشهر لإتخاذ التدابير اللّازمة وتحضير دفاتر الشروط، كان في مكانٍ آخر يُبيح لنفسه ولعددٍ من الوزارات ومنها وزارة السّياحة، إجراء عقود بالتراضي تفوق قيمتها ملايين اللّيرات اللّبنانية من دون مناقصات، علماً أنها المرّة الثّانية التي تمنح فيها وزارة السياحة هذا الحق!

والغريب، أن الدّولة التي تدعي عقد العزم على عصر النفقات بمقدار ما تشاء في سبيلِ ترشيد ماليّتها العامة وتأمين الراحة للسيولة، تقومُ من جهة أخرى بتوزيع عقود التّراضي كمكرمات سياسيّة على المحاسيب والأزلام، وتمررها غالباً من تحت الطاولةِ دون حسيب أو رقيب، والعجيب أنّ هذا التصرّف لم يعد ينحصر بمجلس الوزراء فحسب، بل باتت العدوى تتمدّد نحو سائر المؤسّسات العامة!

وفي ظلِ حالة الإفلاس السّياسي والصراع القائم على ما تبقّى من موارد الدّولة، تتخذ القوى السّياسية عنوان مكافحة الفساد، شعاراً للمرحلة الحالية والمقبلة. ومع أن الأشهر الماضية حملت عدداً من التجارب المشجّعة على قدرةِ الدّولة على مكافحة الفساد، متى رفع الغطاء عن الفاسدين، إلّا أن بعض الإدارات المكلّفة بالحرب على الفساد، ينخرها هي الأخرى «سوس الفضائح»!

قبل مدّة وجيزة، رسمت وزيرة الدّاخلية ريّا الحسن، «خط أحمر» أمام تناول فرع المعلومات في قوى الأمن الدّاخلي، واستطراداً المديرية، التي تحظى دون غيرها إجمالاً بمظلة سياسيّة وطائفية تحميها متى كانت بحاجة، ويجيز لها التصرّف من خارج القوانين المرعية، وممارسة نوع من أنواع «الحكم الذاتي» داخل مؤسّستها.. فأين «الخط الأحمر» في مسألة التلزيمات بالتراضي التي تجري داخل مؤسّسة قوى الأمن الداخلي؟

فمن غير المفهوم كيف يمكنُ للمديرية، المولجة في جانبٍ منها مهمة مكافحة الفساد، أن تقوم هي، بإتفاقيّات صيانة وشراء قطع الغيار للآليات بعقود رضائيّة وبمبالغ كبيرة، في الوقت الذي يَمنع فيه القانون مثل هذه العقود، ويلزم المؤسّسات بمناقصات و إستجرار عروض بما لا يَقُل عن ثلاثة شركات.

المعلومات التي توفّرت من مصدر مستقل، تؤكّدُ أنّ المديرية العامة لقوى الأمن الدّاخلي خرقت قانون المحاسبة العموميّة، عبر عقود رضائيّة أبرمتها مع أربعة شركات، عبارة عن إتفاقيّات صيانة وشراء قطع غيار للآليات، وتحمل العقود توقيع رأس الهرم، المدير العام اللّواء عماد عثمان، ورئيس الإدارة المركزيّة العميد سعيد فوّاز.

وعلى ما تؤكّد المعلومات، فإن قيمة العقود الموقّعة بالتراضي مع الشركات الأربعة، و الممرّرة من دون مسوّغ قانوني واضح، تبلغُ حوالي ٣ مليارات و ٩٠٠ مليون ليرة لبنانيّة موزّعة على الشكل التالي:

– شركة «رسماني يونس» بقيمة ٢ مليار ليرة لبنانيّة.
– شركة «مونزا كار» بقيمة مليار ٢٥٠ مليون ليرة لبنانيّة.
– «مركز الصيانة» بقيمة ٦٥٠ مليون ليرة لبنانيّة.
– شركة «بسول وحنينة» بقيمة ٢٠٠ مليون ليرة لبنانيّة.

ماذا يعني هذا الأمر؟
يعني حرمان العديد من الشركات الأخرى من حق التّقدم بعروض، والسّماح للشركات الواردة أسمائها حصراً بتحديد الأسعار، ثم أن أمراً من هذا القبيل يكلّفُ الخزينة العامة أموالاً إضافيّة بسبب غياب المنافسة في الأسعار التي تُستدرج من خلال تعدد الشركات المتقدمة إلى المناقصة بأرقام متباينة لا حصرها بفرقة واحدة!

أضف إلى ذلك، أن توقيع هذا النوع من العقود الرضائيّة يُعد مخالفاً لقانون المحاسبة العموميّة الذي ينص على انّ «أي عقد نفقة ولو بليرة واحدة يجب أن يكون عبر إستدراج عروض لا تقل عن ٣ شركات»، وفي ضوء المعلومات أعلاه، يبقى السؤال: هل تتحرّك النّيابة العامة الماليّة للحفاظ على المال العام؟ هل يتحرّكُ المعنيون لوقف هذه القصّة قبل حدوث جلبة وتُشاع مثل هذه التصرفات على إدارات أخرى؟ أم تبقى المعطيات حبراً على ورق وخارج المساءلة بحماية المظلّة السّياسية ؟

 

 

 

 

 

ليبانون ديبايت