ظروف لبنان لا تسمح بالانخراط في “صفقة القرن”


كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

تتعارض الخطوط العريضة لمشروع السلام من أجل الازدهار او ما يطلق عليه «صفقة القرن» مع جوهر التركيبة اللبنانية.

وهذه الصفقة قد تؤدي فيما لو كتب لها النجاح الى إلغاء الفكرة اللبنانية العربية برمتها، لأنها قد تقود الى الإطاحة بالعيش المشترك بين مكونات الشعب اللبناني، وتقضي على مبررات وجود لبنان الذي اختاره ابناؤه وطنا نهائيا وفق ما جاء في مقدمة الدستور الذي نص على منع كل أشكال التوطين.

والتوطين ـ أي تجنيس الفلسطينيين والسوريين المقيمين بسبب النزوح ـ يؤدي الى الإخلال بالتركيبة الديموغرافية اللبنانية التي تعتمد على فسيفساء طائفية ومذهبية، وقد تسبب انفراط لوحة الفسيفساء برمتها.

ومن ناحية ثانية، فإن الفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ تهجيرهم من ارضهم إبان عدوان العامين 1948 و1967، يرفضون أي وطن بديل عن وطنهم الأم فلسطين، وهم يتمسكون بحق العودة الذي نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 تاريخ 11/12/1948.

وقد عبرت القيادات اللبنانية بمختلف اتجاهاتها عن معارضتها لمغريات صفقة القرن، وعلى وجه الخصوص رئيس مجلس النواب نبيه بري ورؤساء الحكومات السابقين ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل والقوات اللبنانية، كما قاطع لبنان الرسمي مؤتمر المنامة في البحرين الذي يعتبر الخطوة العملية الأولى للترويج للمشروع.



والاجتماع الذي عقد في السرايا الحكومية بحضور جميع الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية، أكد رفض المشروع، واعتبره مشروع تصفية للقضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب المركزية.

واعتبر المجتمعون أن القدس عاصمة أبدية لفلسطين لا يمكن التفريط بعروبتها، والشعب الفلسطيني لديه كامل الحق في تقرير مصيره بعيدا عن الضغوطات العسكرية والإغراءات المالية.

والوسط السياسي اللبناني يسخر من العناوين المعلنة من صفقة القرن، لاسيما منها خطة جمع 50 مليار دولار ـ لا تدفع اسرائيل أي مبلغ منه ـ ويتم استثمار هذه الأموال خلال عشر سنوات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مصر والأردن، وحصة لبنان منها 6 مليارات دولار، مقابل موافقته على الانخراط في الصفقة.

وتعتبر شخصيات أكاديمية متابعة أن محاولات إغراء لبنان بمبالغ مالية للموافقة على الصفقة، على خلفية الأزمة المالية التي يعاني منها، لا يمكن أن تأتي بثمارها، لأن الإشكالية التأسيسية التي تنتج عن الموافقة على مندرجات صفقة القرن لا يمكن لأحد من القيادات اللبنانية تحمل اوزارها.

إضافة الى كل ما ورد أعلاه، لا يمكن إغفال الأجواء المخيبة للآمال التي تسيطر على الرأي العام اللبناني تجاه السياسة الأميركية في المنطقة، خصوصا جراء مواقفها المؤيدة للعدوان الإسرائيلي، وآخرها الاعتراف بالقدس العربية عاصمة للدولة المغتصبة، كذلك الاعتراف بضم الجولان العربي السوري الى اراضي إسرائيل.

وترى مصادر سياسية متابعة لما يجري أن التعامل الإيجابي اللبناني مع المساعي التي يقوم بها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديڤيد ساترفيلد حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وكذلك تقدير اللبنانيين للمساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن للجيش اللبناني، لا تعني بأي شكل من الأشكال الموافقة على كامل سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، كما أن اللبنانيين لا يوافقون جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، في قوله «إن صفقة القرن هي فرصة القرن»