.مفاوضات الترسيم إلى نقطة الصفر: شروط وشروط مضادة



كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:



إختفى أثر الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل ديفيد ساترفيلد في اليوم الثاني من زيارته الحالية. فمن دون اعلان رسمي وصريح توقفت هذه المفاوضات، وبدا بيان عين التينة الذي اعقب استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري لساترفيلد سلبياً بالشكل وواضحاً لناحية وجود خلاف حول مسألتين جوهريتين وهما دور الأمم المتحدة التي يريدها لبنان راعياً رسمياً للمفاوضات، ورفض توقيع أي اتفاق جزئي، بل ان التوقيع يتم بعد التوصل الى اتفاق نهائي.
وأكدت مصادر متابعة لسير المباحثات الجارية ان مهمة ساترفيلد “توقفت فعلاً بسبب وجود خلافات في وجهات النظر”، فضلاً عن قرب انتقال هذا الملف إلى خليفته ديفيد شينكر الذي جرى تعيينه مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط، ويأتي مزودا بتأييد شامل من اعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الاميركي.
لم يخرج ساترفيلد، الذي ردد كلاماً ايجابياً في وزارة الخارجية عن امكان تجاوب اسرائيل مع المطالب اللبنانية، مرتاحاً من عين التينة، ونقل مسؤول رافق ساترفيلد في جولته انزعاج الاخير من طريقة تعاطي المسؤولين مع ملف الترسيم ما قد يضعهم امام موقف صعب للغاية.
وتربط أوساط مطلعة على سير المباحثات الفشل بوجود شروط وشروط مضادة بين لبنان واسرائيل فضلاً عن ارتباط الترسيم كملف بمعطيات اقليمية ودولية على صلة خصوصاً بالانتخابات الاسرائيلية.
عطفاً على أحداث قبرشمون في الجبل وتحليق طائرات الاستطلاع الاسرائيلية المتواصل فوق لبنان والجبل تحديداً، الى الانتشار الامني الذي حوّل ضاحية بيروت الى ما يشبه الثكنة العسكرية لبعض الوقت، ثمة ما يؤشر الى وجود معطيات غير مطمئنة قد تكون متصلة بعمل امني ما يتم التحضير له. وقد عزّز منسوب القلق الاجواء السلبية التي سادت عقب زيارة ساترفيلد، والتساؤلات التي طرحت نفسها عن اسباب فشل المفاوضات وخلفياتها في ظرف اقليمي ودولي بالغ الحساسية. اذ ليس منطقياً ان يسير لبنان في مسار تفاوض حول الحدود مع اسرائيل برعاية اميركية، والخلاف الاميركي – الايراني في ذروته، وثمة استنفار دولي – اقليمي متصل بهذا الملف خصوصاً.
ولا يمكن فصل ملف الترسيم عن تعقيدات المنطقة وما يستتبعها من تطورات دراماتيكية، وفي هذا السياق يصبح توقع فشل المفاوضات تلقائياً. فالظروف التي رافقت اطلاق الوسيط الاميركي مفاوضات الترسيم قبل نحو ثلاثة اشهر مختلفة عن ظروف اليوم، والتفاؤل الذي عبر عنه الاطراف المعنيون تراجع لأسباب عدة اهمها ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو الذي كان يفترض ان يقوده نجاحه في الانتخابات الى تشكيل حكومة، اراد في فترة معينة ان يبرهن للحليف الاميركي حسن نواياه وتقديم تنازلات معينة، لكن صودف انه فشل في تشكيل الحكومة وهو يستعد لخوض انتخابات مبكرة قريباً وليس من مصلحته تقديم تنازلات مشابهة لما قدمه عند انطلاق مفاوضات الترسيم.
يومها وافق على تلازم الترسيم البري مع البحري وعدم تحديد مدة زمنية للترسيم، لينقلب على ما وعد به فيرفض تزامن الترسيمين والمدة الزمنية بعد ان كان الجانب الاميركي توصل الى ما يشبه تدوير الزوايا حول هذه النقطة.
السبب الآخر المختلف عليه هو شكل التفاوض او بالأحرى كيف سيكون شكل طاولة المفاوضات ومن سيترأسها، اراد لبنان ان يكون للامم المتحدة دور اساسي في المفاوضات، وان تتقدم المتفاوضين، وهو ما يستلزم في حال الاتفاق عليه ان ترسل اسرائيل رسالة بهذا المعنى الى الامم المتحدة، لكن اسرائيل رفضت ودعمتها اميركا التي لا يعترف رئيسها اصلاً بدور للامم المتحدة، واشترط الجانبان الاميركي والاسرائيلي ان يكون التفاوض في مبنى الامم المتحدة وليس تحت ادارتها.
وعند نقاط الخلاف هذه، توقفت مهمة ساترفيلد في ملف الترسيم، ليسلم شعلة المهمة الى خلفه ديفيد شينكر. وبطبيعة الحال لن يكون الجانب الاميركي منحازاً لمصلحة لبنان وهو حاول الايحاء من خلال وكيله ساترفيلد بأنه يفرض على اسرائيل تقديم تنازلات بينما هو يعطي من كيس لبنان وليس من كيسه لان الحدود البرية كما البحرية للبنان معروفة ومتفق عليها لدى الامم المتحدة.
والمعروف ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يقدم نفسه على انه رجل المهمات الصعبة، يعتبر ان امامه ثلاثة ملفات على مستوى من الاهمية: كوريا الشمالية وايران وصفقة القرن. ما يريده الرجل ان يترك بصمة مختلفة عن انجازات من سبقه من الرؤساء الاميركيين. اراد ان ينتزع ورقة التفاوض بين لبنان واسرائيل في لحظة مفصلية وجاء مبعوثه الى لبنان يقول اعطيناكم في الترسيم فماذا تعطوننا في المقابل.
كانت صفقة القرن قيد التحضير، انتظر ترامب موقفا لبنانياً مرناً، فاذا برئيس مجلس النواب قبل فترة وجيزة يلخصه بعدد قليل من الكلمات “لبنان لن يبيع فلسطين بثلاثين من الفضة”.
موقف لمسؤول لبناني رفيع، هو رئيس مجلس نواب، ومفوض ملف التفاوض حول ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل. ومن هنا يمكن الاستنتاج انه عبّر عن موقفه كما عن موقف حزب الله الذي لم يعد مجرد قوة محلية، واذا كانت المفاوضات تندرج في اطار تقديم تنازلات متصلة بصفقة القرن فلنا ان نفهم اسباب الفشل من هذه الناحية. وفي لحظة ذروة الخلاف الاميركي – الايراني والاصوات التي تدعو ترامب الى توجيه ضربة لايران من خلال الوكيل الاسرائيلي ليس من المصلحة التفاوض وتسليف الجانب الاميركي كما الاسرائيلي اوراقاً تقوّي موقفهما