بالرغم من اعتبار مقربين من رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل أنه لم يكن هناك من داع لحضوره لقاء بعبدا الذي مهد لحل أزمة قبرشمون وعودة عجلة الحكومة للدوران، لأنه ليس جزءا مما حصل، ومحاولتهم حصر الصراع الذي أدى لتعطيل البلد 40 يوما برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان، الا أن ذلك لا يلغي حقيقة «هشاشة» الحل الذي تم التوصل اليه وامكانية اندلاع أزمة جديدة عند أول استحقاق أو مفترق طرق، خاصة وأن أحدا لم ولن يسعى على الأرجح في المدى المنظور لمعالجة العلاقة المتأزمة جدا بين «الاشتراكي» و«الوطني الحر» والتي بلغت مستويات غير مسبوقة تهدد مصالحة الجبل ككل.
ويبدو واضحا ان جنبلاط وباسيل على حد سواء عمّما على القياديين والنواب والوزراء وجوب تخفيض سقف الصراع بينهما وبشكل خاص الحد قدر المستطاع من السجال الناري الذي اندلع قبل أيام من لقاء بعبدا وهدد بتحويل الأزمة من درزية – درزية الى درزية – مسيحية معلنة، وهو ما كان يتجنبه «الوطني الحر» طوال الفترة الماضية. وتعتبر مصادر سياسية مطلعة على أحوال علاقة «الوطني الحر» – «الاشتراكي» انه «رغم كل محاولات العونيين تفادي خوض المعركة بشكل فاضح مع الاشتراكيين، الا انه لم يكن خافيا على أحد أن لب الأزمة كان انفجار العلاقة بين الطرفين، وقناعة باسيل أن المستهدف مما حصل في قبرشمون كان هو شخصيا لا الوزير صالح الغريب، ولعل اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ذلك بالفم الملآن بعد وصول الأزمة الى ذروتها، يؤكد المؤكد بما يتعلق بالخلفية الحقيقية للصراع الذي تحول بعد لقاء بعبدا صراعا صامتا أقله في المرحلة الحالية».
وترجح المصادر، ان يستمر الكباش بين الطرفين في مجلس الوزراء وخارجه، «خاصة بعد جرعات الدعم الكبيرة، المحلية والاقليمية والدولية التي تلقاها الزعيم الدرزي. فبعد أن كان قبل حادثة قبرشمون يشعر أنه مطوق ومتروك وحيدا من قبل حلفائه، بات اليوم يشعر بفائض من القوة بعد اصلاح علاقته برئيس الحكومة الى حد بعيد واحياء اصطفاف 14 آذار، والأهم بعد الدعم الأميركي غير المسبوق بهذا الشكل والمضمون». وتضيف المصادر: «ما يصعّب الأمور هو ان الطرفين اي جنبلاط وباسيل باتا يشعران بفائض قوة ما سيجعل كل منهما يحاول فرض شروطه على الآخر، ما يهدد بتجدد الأزمة في اي وقت ومن دون سابق انذار».
واذا كان العونيون مستعدين لاستيعاب كل ما حصل على قاعدة سعيهم لانجاح العهد، الا ان تصويب الاشتراكيين وبالتحديد بعد المؤتمر الصحافي الشهير للوزير وائل أبو فاعور مباشرة على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واتهامه من قبل جنبلاط بالسعي للانتقام، سيجعل الأمور أصعب بكثير. فوقف السجالات العنيفة شيء وفتح صفحة جديدة بين الطرفين شيء آخر كليا، ولعل هذا ما بدأ يتجلى فعليا بعد انتقاد نواب اشتراكيين خطاب وزير الدفاع الياس بو صعب من عين دارة واعتبار عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبدالله أنه «لم يكن هناك من ضرورة لهذا الخطاب المتوتر لمعالي وزير الدفاع الياس بو صعب في عين دارة، لأننا اتفقنا في قصر بعبدا على إشاعة المناخات الايجابية، إلا إذا كان معاليه غير راض على ما حصل، وفي جميع الأحوال لن نساجل».
وهنا تقول مصادر «الوطني الحر» ان «ما حصل في قبرشمون هو أبعد بكثير من الحادثة نفسها، وقد أظهر أن هناك فريقاً يريد الدولة ويحترم مؤسساتها ويعمل على دعمها وتقويتها، وفريقاً آخر لا يزال يعيش على أمجاد الماضي وفي زمن الميليشيات والمناطق المقفلة ويحلم بالكونتونات الطائفية ويسعى لترسيخها بالممارسة»، لافتة الى ان «الصراع بين هذين الفريقين لا يمكن ان ينتهي بلقاء ووفق منطق تبويس اللحى انما بالمحاسبة وتحقيق العدالة، لذلك نسعى لأن تأخذ التحقيقات مجراها بشفافية ونزاهة مطلقة، على ان تتم محاسبة المرتكبين ايا كانوا…هكذا فقط نقطع الطريق على مشروع اللادولة ومشروع المزرعة ونكون نسلك المسار الصحيح لاصلاح الوضع».
ويبدو الاشتراكيون أكثر التزاما من العونيين بوقف السجالات، وان كانوا متمسكين بمواقفهم السابقة المعلنة لجهة اعتبار ان ما حصل بعيد حادثة قبرشمون ليس الا استكمال لمسار سابق لمحاصرة وليد جنبلاط وتطويقه، وتشير مصادر «اشتراكية» الى أن «المحاولات اليوم لفتح صفحة جديدة لا يمكن ان تكتمل الا من خلال وضع حد لهذا المخطط والمشروع الذي تشارك فيه جهات خارجية باتت معروفة»، معتبرة ان «الحل الذي تم اعتماده للأزمة الأخيرة يؤكد سقوط هذا المشروع وفشله فشلا مدويا، على أمل أن يأخذ الكثيرون العبر ولا يعيدون اقتراف نفس الأخطاء عند كل محطة او استحقاق».
المصدر:
الديار