أخبَرني قصّته أمام طابور المصرف… وأبكَى الجميع!

تقريرُ “موديز” الذي خفّض تصنيف لبنان من Caa1 إلى Caa2 ووضعه قيد المراقبة لمزيد من الخفض في الأشهر الثلاثة المقبلة، زاد الوضع السيّئ سوءاً، والخوف خوفاً والهلع هلعاً…

لبنان الذي نقلق عليه، لم يتقاعس عن إلتزاماته الماليّة بالرغم من أنّه مُثقل بأعباء الديون، الا أنّ مخاطر الائتمان في البلاد إرتفعت بسبب انهيار الثقة بقدرة حكومة تصريف الأعمال وتعذّر السلطة الحاكمة عن التغلّب على الأزمة الإقتصادية الحاصلة… نعم، نحن نمرّ بأزمة حقيقيّة ولم تعد التطمينات الغوغائيّة تَكفينا!

وها هي المصارف اللبنانيّة تُعاني بدورها منذ أشهر والتي بدأت نتائجها تظهر، وها أنا اليوم واجهت واحداً من أصعب المواقف! رجلٌ مسنٌّ، يتّكئ على عصاه الخشبيّة، ينتظر دوره بعدما وصل في الصباح الباكر، عند الساعة السابعة، آملاً أن يستحصل على شكٍّ بقيمة متواضعة جداً لاستمراره بكرامةٍ “بِهَل كَمْ سِنة يلّي بِقيولي” كما قال.

“أبو رامي” أخبرني معاناته بدموعٍ أبكت الموجودين، فحاله حال أغلبيّة اللبنانيين الذين ضاقت عليهم الحياة والأحوال، كي يبقى السؤال: أَعَلَى اللبناني الفقير دوماً تحمّل نتيجة أفعال المسؤول الكبير غير المسؤولة؟

من هنا، أهمية القطاع المصرفي في لبنان كبيرة لكن معاناة الناس أكبر خصوصاً عندما يَسعوْن على إستحصال فائدة معيّنة نتيجة وديعتهم في المصارف، كي تواجه بضرائبٍ غير واضحةٍ، غير مبرّرةٍ وبطرقٍ عشوائيّة، أي إقتطاع من فوائدهم ضريبة بقيمة بدأت في السابق بـ5 في المئة وبعدها 7 في المئة كي تصل اليوم إلى 10 في المئة.

صحيحٌ أنّ الضرائب هذه ليست المصارف من تتحمّل كامل مسؤوليّتها بل الدولة اللبنانيّة، فبدل أن تعفي الشطور الأولى من الودائع تفرض عليها ضرائب كبيرة، أي من لديه إدخار بـ100 مليون ليرة مثلاً يجب أن يُعفى كونه قبض تعوض تقاعده ولم يعد لديه مدخولاً آخراً.

لذلك، ليس الهدف أن “يسقط حكم المصرف” كما نسمع في ساحات التظاهر لا بل تصحيح حكم المصرف، كي يلائم ظروف المواطنين، خصوصاً الأقل دخلاً منهم، فاليوم “العترة” ليست على كبار رؤوس الأموال الذين لم نُشاهدهم يقيفون في طابور طويل لا ينتهي طوال هذه “المعموعة”، ألربّما أصبحنا في زمنِ الطبقة الغنيّة بوجه الطبقة الفقيرة؟

الضريبةُ التصاعديّةُ أمست ضرورة، خصوصاً بظلّ مشروع موازنة عام 2019 الذي لا يفعل شيئاً سوى ترسيخ حدّة التفاوتات واللامساواة الضريبيّة، على عكس الأنظمة الضريبية في الكثير من دول العالم التي تقوم على ضريبة تصاعدية واحدة على الدخل المُجمّع، أياً كان مصدره، الأجر أو الربح أو الفائدة أو الريع أو الهبة.

فبطبيعة الحال إذاً الشركات الكبيرة المالكة التي تملك أسهماً وحصصاً كبيرة تستطيع أن تدفع أكثر، ومن واجب الدولة زيادة الضرائب عليها بعيداً من ملاحقة المواطنين وصغار المكلفّين…

إنْ كنتم مع السلطة أو معارضين لها، ليس مُهمّاً، فهذا المقال يُخبر عن واقعٍ لم نعد نشعر به فحسب بل نراه جميعاً مباشرةً وبأعيُننا، وأكثر ما نتمنّاه اليوم هو الحلول الإقتصادية الفعّالة والسريعة، لعلّ دموع “أبو رامي” وأمثاله الكُثر تجّفّ، ولو بِبارقة أمل من مكانٍ ما!

المصدر : كريستال محفوظ – أخبار اليوم