جمود على جبهة التكليف والتأليف.. والأفرقاء ينتظرون من الحريري ‏حسم خياراته


كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : لم تحمل عطلة نهاية الاسبوع أي مؤشرات حيال اتجاهات الأزمة ‏الحكومية تكليفاً وتأليفاً، فيما ظلّ الحراك الشعبي على وتيرته التي ‏تعلو حيناً وتخفّ احياناً. ولم يلح في الافق اي بارقة أمل في انفراج ‏قريب، نتيجة استمرار المواقف على حالها: إصرار على تكليف الرئيس ‏سعد الحريري او من يختاره، فيرد مشترطاً ترؤس حكومة اختصاصيين ‏يرفضها الآخرون وينادون بحكومة تكنو- سياسية، فيما الاوضاع ‏الاقتصادية والمالية تمضي الى مزيد من التدهور على وقع الحراك ‏الشعبي الذي دخل يومه الـ47، وسط مخاوف من ارتفاع المتاريس ‏السياسية التي تزيد المخاطر على البلاد كلما تأخر تأليف الحكومة ‏الذي يؤخر بدوره حل الأزمة‎.‎

لم يبرز في الافق الاقليمي والدولي اي مواقف إزاء التطورات في لبنان، ولكن ‏مصادر ديبلوماسية تحدثت عن انّ موعد اللقاء الثلاثي الاميركي ـ البريطاني ـ ‏الفرنسي الذي كان مقرراً انعقاده هذا الاسبوع في لندن للبحث في ما آلت اليه ‏الاوضاع في لبنان قد أرجئ الى وقت لاحق لاستكمال المعطيات والاتصالات عن ‏التطورات اللبنانية‎.‎

وهذا اللقاء يضم رؤساء دوائر الشرق الاوسط في وزارات الخارجية الثلاث، وهم: ‏الاميركي ديفيد شينكر، والفرنسي كريستوف فارنو والبريطانية ستيفاني القاق، ‏وكان انعقد الشهر الماضي في باريس‎.‎

داخلياً، لم يرشح من اوساط القصر الجمهوري اي معطى يشير الى إمكان توجيه ‏رئيس الجمهورية الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من سيكلفه ‏تأليف الحكومة الجديدة‎.‎

وفي الوقت الذي ما زال اسم الحريري حاضراً بقوة في ساحة الاستحقاق ‏الحكومي نتيجة إصرار الجميع عليه لقبول التكليف، فإنّ الاوساط السياسية تتداول ‏أسماء جديدة لم يَرس مصير ايّ منها على بَر بعد، لأنّ الحريري لم يحسم خياره ‏النهائي بعد على رغم اعلانه العزوف عن تأليف الحكومة الجديدة، وفي الوقت ‏نفسه فإنّ الافرقاء السياسيين الذين يريدون له هذه المهمة مجدداً لم يحسموا ‏هم ايضاً خياراتهم، في حال ظل على عزوفه ولم يلبِ رغبتهم بتسمية من يخلفه ‏في رئاسة الحكومة‎.‎

الأفضلية للحريري
وأوضحت أوساط قريبة من “حزب الله” لـ”الجمهورية” “انّ الحزب لا يزال يعطي ‏الأفضلية لتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة أو من يسمّيه‎”.‎
واعتبرت هذه الاوساط “انّ السيناريو الآخر المتمثّل في تشكيل حكومة مواجهة ‏من لون واحد ليس وارداً حتى الآن، لأن لا مصلحة وطنية في اعتماد مثل هذا ‏السيناريو، في مرحلة تتطلب اكبر مقدار ممكن من التوافق الوطني لتحسين ‏شروط مواجهة التحديات والاستحقاقات التي تواجه لبنان حالياً‎”.‎

وقالت الاوساط نفسها “انّ الحريري كان قد وافق في بدايات التشاور معه على ‏ترؤس حكومة تكنو- سياسية، بحيث انتقل النقاش معه آنذاك الى البحث في ‏التفاصيل المتعلقة بالحقائب الوزارية، لكنه عاد وبَدّل رأيه مُبدياً تمسّكه بتشكيل ‏حكومة تكنوقراط‎”.‎
وأضافت: “انّ الحزب ليس في وارد الموافقة على خيار التكنوقراط، مع قبوله بمبدأ ‏تسليم الاختصاصيين الحقائب المتصلة بالملفات التقنية والخدماتية، على ان يتم ‏تعيين عدد من السياسيين أو الحزبيين وزراء دولة، لأنه لا يجوز ان تكون الحكومة ‏المقبلة خالية من التمثيل السياسي، وخصوصاً في هذا التوقيت المزدحم ‏بالضغوط والاستهدافات‎”.‎

واعتبرت الأوساط نفسها “أنّ الاصرار على ترؤس الحريري او من يسمّيه الحكومة ‏المقبلة، يعود الى سببين اساسيين: الاول، وجوب أن يشارك في تحمّل مسؤولية ‏معالجة نتائج السياسات المالية والاقتصادية التي أوصلت الى إنتاج المازق ‏الحالي. والثاني، ضرورة مراعاة التوازنات السياسية والطائفية التي تفرضها قواعد ‏النظام اللبناني، وبالتالي الأخذ في الاعتبار انّ الحريري لا يزال يمثّل الاكثرية في ‏بيئته‎”.‎

وأكد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أنّ “الأزمة لا تحل إلّا بتشكيل ‏حكومة وحدة وطنية، وفق صيغة “اتفاق الطائف”، وغير هذا سيبقى البلد في ظل ‏حكومة تصريف أعمال، وسنلاحقهم لكي يقوموا بواجبهم، والذي لا يقوم بواجباته ‏سنحاسبه‎”.‎
وقال: “المسألة ليست مسألة أنّ البلد لا يوجد فيه أموال، كلا يوجد أموال ولكن ‏هذه الأموال لا تأتي ونحن موجودون في السلطة، هذه الأموال تأتي عندما يأتي ‏من له علاقات تبعية مع قوى الخارج، وموجود في السلطة، عندها و”لكي يحفظوا ‏ماء وجهه” يضعون ودائع ويأتون بالديون والمشاريع‎”.‎

وشَدّد على “الصبر والتحمّل”، وقال: “الذي لم يَقدرعدوّنا أن يأخذه بحربين، لن ‏نعطيه إيّاه بالاقتصاد”. وقال: “هذا البلد لنا فيه بمقدار ما لكم فيه، ولن نقول أكثر. ‏وهذا البلد أعطيناه من دمنا، لذا لا أحد يزايد علينا، لا بالوطنية، ولا بحب هذا ‏البلد
‎”.‎
‎”‎القوات‎”‎
وعلى صعيد موقف “القوّات اللبنانية” قالت مصادرها لـ”الجمهورية” انّها “تعتبر انّ ‏الازمة المالية الاستثنائية والخطيرة التي تعصف بلبنان، وهي غير مسبوقة منذ ‏نشأة لبنان الكبير، قد أعدمت الخيارات، ما يعني أنه لا توجد خيارات، وكأننا في ‏مطعم ونختار لائحة الطعام لنقول اننا أمام خيارات عدة: حكومة سياسية أو تكنو- ‏سياسية او حكومة اختصاصيين‎”.‎
واعتبرت “أنّنا لسنا على هذا المستوى، فالأزمة القائمة تستدعي حكومة تجسّد ‏الواقع الحالي وتأتي انعكاساً له. وبالنسبة إلينا، لا تستطيع الحكومة السياسية ‏مواجهة الأزمة الحالية، والحكومة التكنوسياسية هي عملياً نسخة طبق الاصل ‏عن الحكومة السياسية، وهي لا تؤدي الهدف المنشود‎”.‎
وشدّدت على أنّه “لا يمكن الوصول الى حلول اقتصادية حقيقية ومالية إلّا من ‏خلال حكومة اختصاصيين مستقلين‎”.‎

وأضافت مصادر “القوات”: “نستغرب هذا الرفض وكل هذه الممانعة وكأنّ هذه ‏الحكومة هي حكومة أبدية سرمدية. نحن نقول حكومة لمرحلة انتقالية من أجل ‏ان تنتشل لبنان من الوضع الاقتصادي السيئ، فنحن ننادي منذ سنوات ونحذّر من ‏الوصول الى ما وصلنا إليه، إلّا انّ القوى السياسية لم تلتفت الى واقع الحال ‏المالي والاقتصادي والمعيشي والمطلبي. ولكن بعدما وصلنا الى ما نحن فيه، بات ‏لا ينفع التأخير في الخيارات وبتنا صراحة متأكدين من أنّ السبب الأساس وراء ‏رفض حكومة الاختصاصيين المستقلين، هو أنّ القوى السياسية تريد الاحتفاظ ‏بمواقعها السلطوية واستطراداً الادارية والخدماتية، لأنها تعتبر أن السلطة هي باب ‏للمنافع السياسية المصلحية بعيداً من مصلحة المواطن الانسان في لبنان‎”.‎

واعتبرت المصادر نفسها أنّ “كل الاعذار التي تعطى والعناوين التي يتم تضخيمها ‏لا اساس لها من الصحة، وقد وصلنا الى هذه الازمة التي تستدعي حكومة ‏اختصاصيين مستقلين وعندما تنتهي وننقذ لبنان نعود الى الحكومات السابقة. لا ‏تتحمل الاوضاع اليوم الترف ولا الخيارات‎”.‎

وشدّدت على أنّ “المطلوب بإلحاح وسريعاً الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة، ‏ومن ثم تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، وإعطاء الحكومة صلاحيات استثنائية ‏لإخراج لبنان من الواقع غير المسبوق الذي هو فيه باعتراف جميع اللبنانيين، والّا ‏لم تكن الثورة لتندلع‎”.‎

وقالت المصادر “القواتية”: “يجب ان يكون هناك اليوم عملية إنقاذية، اولاً ببدء ‏التفكير في تغيير كل هذا النمط الذي أوصل لبنان الى ما وصل اليه. وثانياً، لم نصل ‏الى هنا الا نتيجة هذه النمطية في التعاطي السياسي منذ 30 عاماً حتى اليوم، ‏وزراء وخدمات ووزارات وادارات ومصالح وتعيينات. وبالتالي، يجب تغيير كل هذا ‏النظام الذي كان قائماً على مستوى الخدمات والتوظيفات والمنافع‎”.‎
وأضافت: “من هنا أهمية تأسيس هذا الواقع الجديد من خلال حكومة اختصاصيين ‏مستقلّين تضع حداً لاستخدام وتوظيف الشأن العام للمنافع الخاصة وليس العامة، ‏وبالتالي أن تكون هذه الفترة أيضاً مناسبة لوضع القوانين والتشريعات التي تمنع ‏التوظيف واستخدام المرافئ العامة لغايات شخصية، وتشديد القوانين لتعزيز ‏الشفافية والآليات المرعية الإجراء والى ما هنالك‎”.‎

إنقاذ الدولة
وفي المواقف، رأى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّه “آن ‏الأوان ليجلس القابضون على السلطة السياسية الى طاولة حوار وجدانيّ لإنقاذ ‏الدولة من الموت في مناسبة يوبيل مئويتها الأولى‎”.‎
وقال الراعي في عظة الأحد إنّ “الكنيسة تعلم أنّ السلطة السياسية لا تأخذ ‏شرعيتها من ذاتها، وليس لها أن تتصرف تصرّفاً ظالماً، بل عليها أن تسعى في ‏سبيل الخير العام‎”.‎

ولفت الى أنّ “القديس بطرس الرسول يتكلّم في هذا الإطار، عن اعتراض الضمير، ‏وإنّ الانتفاضة الشبابية عندنا، مع كبار وفتيان، ونساء وفتيات، من جميع الطوائف ‏والمذاهب والمناطق، هي في جوهرها، منذ 46 يوماً، اعتراض الضمير، وحجب ‏الثقة عن الجماعة السياسية بكلّ تراتبيتها، إنّها انتفاضة لبنانية بهية محررة من ‏كلّ التبعيات إلى الخارج‎”.‎

واعتبر أنّ “عقدة الأزمة السياسية تكمن هنا في لبنان، أزمة تشكيل حكومة تكون ‏حكومة إنقاذ مصغّرة بوجوه ذات تراث وطني وغنية بخبرات ومنيعة بتجارب، لكنّ ‏قرار تشكيل مثل هذه الحكومة يقتضي وجود رجال دولة يضعون خير البلاد وشعبها ‏وكيانها فوق كلّ اعتبار. غير أنّنا نستبعد بكلّ أسف أن يتخذ مثل هذا القرار‎”.‎

إجتماع بعبدا: لا مقررات
رغم الترويج الاعلامي الذي أعقب الاجتماع المالي في قصر بعبدا، في شأن ‏مقررات جرى اتخاذها في الاجتماع، علمت “الجمهورية” انّ كل ما تمّ تداوله لا ‏يعدو كونه مجرد أفكار جرى استعراضها في اللقاء، وتم التفاهم على دراستها ‏لاحقاً، من دون حسم اي اقتراح وإقراره منذ الآن‎.‎

وفي ما خَصّ المسائل المتعلقة بسقوف السحوبات النقدية من المصارف، ‏والتحويلات وأسعار الفوائد، أكدت مصادر مطلعة انّ المجتمعين ناقشوا هذه الامور، ‏من دون التوصّل الى أي قرار عملي. وجرى الاتفاق على متابعة بَحث هذه النقاط ‏في اجتماعات لاحقة بين حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف‎.‎

مع الاشارة الى انّ التوصّل الى قرارات حاسمة في هذه المواضيع لن يكون مهمة ‏سهلة، لاعتبارات عدة، من ضمنها التفاوت في كمية السيولة المتوافرة بين مصرف ‏وآخر، بالاضافة الى التعقيدات المحيطة بخفض أسعار الفوائد اليوم، قبل وجود ‏حكومة تستطيع أن تضع خطة للإنقاذ، من ضمنها يأتي بند خفض الفوائد.

اليوم 46 للحراك
وفي اليوم الـ46 لانطلاق الحراك، خطفت بعبدا الأنظار، حيث شهدت طرقاتها ‏تظاهرتين، واحدة باسم المنتفضين، عمادها “حزب سبعة” وعدد من أنصار ‏‏”المجتمع المدني”، إحتشدوا “سلمياً” مطالبين رئيس الجمهورية ميشال عون ‏بالإسراع في الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة، وأخرى حملت شعارات ‏‏”التيار الوطني الحرّ” وصوَر عون، مؤكّدة دعمها له‎.‎

وحصل إشكال تحت “جسر الصياد”، بين بعض من حاولوا الانضمام الى المنتفضين ‏وبين مناصري “التيار الوطني” الذين حاولوا منعهم من الوصول، إلّا أنّ القوى ‏الأمنية سمحت لعدد من المجموعة الأولى بالانضمام الى المجموعة الأساسية ‏والتعهّد بعدم التعرّض لمناصري “التيار” وعدم الاساءة لأي شخصية سياسية، ‏فاحتجّ مؤيّدو “التيار”، ما أدّى إلى حصول كرّ وفرّ بين المجموعتين، فتدخلت القوى ‏الأمنية وفصلت بينهما‎.‎

وفي هذه الاثناء إنطلقت مسيرات “أحد الوضوح” في بيروت، من 3 مناطق هي: ‏المتحف والحمراء والجعيتاوي، بعنوان “وحدة وتضامن الشعب اللبناني”، والتقت ‏في السوديكو، واستكملت طريقها إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح. كذلك ‏تجمّع متظاهرون في ساحة ساسين – الأشرفية وتوجهوا إلى المتحف، ومن ثمّ ‏الى رياض الصلح‎.‎

وفي ساحة الشهداء، صنع عدد من الشبان مجسّماً تحت عنوان “الثورة أنثى”. ‏وقد صُنع المجسّم من التنك وعلب المشروبات، لتوجيه رسالة في شأن “تدوير ‏النفايات” وإمكانية تحويلها تحفة فنية‎.‎

كذلك تجمّع عدد من المتظاهرين في ساحة الشهداء في عرض كوميدي مُرتدين ‏الـ‎”Pyjama”‎، تعبيراً عن النائمين في بيوتهم للالتحاق بالانتفاضة. وبعد أجواء ‏التوتر التي سادت قبل يومين بتحطيم خيم الانتفاضة وإحراقها، كانت عاليه محطّ ‏لقاء عدد من المنتفضين الذين توافدوا من كل المناطق تضامناً، وأعيد نصب الخيَم ‏لتأكيد الاستمرار في التحركات‎.‎

كذلك شهدت ساحة بعلبك مساء تجمّعاً حاشداً للمحتجّين الذين تجمعوا في ‏منظر كبير يغطّيه العلم اللبناني، وتتخلله الهتافات التي تنادي بتحقيق مطالب ‏الحراك‎.‎
وتضامناً مع المنتفضين في بعبدا، نُظّمت مسيرة من تعلبايا الى زحلة. فيما ‏استمرت التحركات الاحتجاجية في معظم المناطق اللبنانية‎.‎

أمطار تُغرق الشوارع ليلاً
دخل لبنان ليل أمس في عاصفة بدأت بأمطار غزيرة في بيروت وسائر المناطق، ‏تسبّبت بفيضانات في عدد من الشوارع والساحات. وأفادت الأرصاد الجوية أنّ ‏الطقس اليوم سيكون ماطراً، مع توقّع بعض الإنفراجات‎.‎