مع ولادة 'الحكومة المنتظرة': وداع حزين للوزير جميل جبق والوزيرة ندى البستاني... 'ت ما يضيع الصالح بعزا الطالح، كلمة حق تقال' !

قلما تجد بين اللبنانيين حالة تعاطف وتقدير مع اي مسؤول يتبوأ منصباً رسمياً... ذلك ان اهل السلطة والسياسة في لبنان قد عودوا الشعب "المغلوب على أمره أبداً" ان للسلطة اغراء واغواء قد لا يقوى على مقاومته الا ثلة من "الأصيلين"... ولكن في هذه الوزارة التي ولدت واستقالت في ظروف اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية قاهرة، لمع نجم وزير الصحة جميل جبق ووزيرة الطاقة ندى بستاني، فأسف اللبنانيون، في حدث نادر، لرحيلهما، وذيلوا عبارات الوداع بطيب أمنيات أن يعبق الخلف بروحية السلف أو ربما أكثر....

فوزير الصحة الدكتور جميل جبق كان وزير التكنوقراط الحقيقي في حكومة الرئيس سعد الحريري... فهو ابن البقاع الطبيب المختص في مجال الطب الداخلي عضو في جمعية الأمراض الداخلية الأوروبية وامراض القلب الأوروبية، الذي عمل في العديد من اهم مستشفيات لبنان، حتى انه كان طبيب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل العام 2006.... استهل عمله في الوزارة بزيارة الى المرافق الطبية في عكار... لا لمنظور طائفي او مناطقي ضيق كما عزا البعض، بل لأنه رأى فيها تدهورا مروعاً بالخدمات الطبية، فلاقى فيها من أهلها خير ترحيب... انتقلت جولاته التفقدية والاصلاحية من عكار وشمال لبنان الى بعلبك-الهرمل، زحلة وعرسال... الى قرى الجبل وبلداته، الى صور والنبطية وغيرها من المدن اللبنانية... ولعل اتخاذه القرار الجريء باقفال مركز الفنار للأمراض العصبية والضجة التي أحدثها قراره الحكيم حينها زاد في استعار الحملات ضده... فصوب "اعلام السلطة" تقارير شبه يومية تشكك في "تقنيته" وتبحث عميقاً فلا تجد من ملفات الفساد ما ساد في عهد كثير من سابقيه.... في عهده، اتخذت اجراءات حاسمة بحق مستشفيات رفضت استقبال مرضى بحجة "تأمين الاموال"، وضعت دراسات عدة وتم تخفيض اسعار الكثير من الادوية الضرورية والملحة... فأصبحت الوزارة، بجهود مستشاريه للشؤون الاستشفائية والاعلامية وغيرها، قبلة للبنانيين يلتمسون فيها تعاطفا وتفهماً ومحاولة لتلبية حاجاتهم قدر المستطاع، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والحزبية وغيرها... فكان عن حق "الحصان الرابح" لمرشحيه في خضم سباق محتدم في الوزارة الخدماتية الأولى والأصعب في لبنان...

أما الوزيرة ندى بستاني، فبعد سنوات طويلة أمضتها في الدراسات العليا في مجالات الادارة والاقتصاد بين لبنان وفرنسا، دخلت الى "مغارة وزارة الطاقة والمياه".... فأصبحت منذ العام 2010 مستشارة فيها... هناك حيث "عتمة الفساد" و"ظلامية دخان المولدات" و"تلوث البرك والأنهار" تنخر في جسد مؤسسات أنفقت الوزارات المتهالكة على اعقابها منذ العام 1990 وحتى اليوم عشرات مليارات الدولارات التي ضاعت هباء منثوراً بين "صفقات مشبوهة معلومة" للجميع الا للمسؤولين عن كشفها.... ولكنها ما انكفأت عن مهام لافتة اضطلعت بها، وخاضت ما هابه الرجال الرجال ممن تولوا الوزارة قبلها.... تابعت بنفسها ملف التعديات على الشبكة الكهربائية وواكبت فرق العمل.... رغم الحملات التي تعرضت لها كونها اقتربت من "بؤر النهب والهدر"، الا انها اصرت على متابعة المشاريع الحياتية الحيوية وقاومت بكل ما أوتيت من "صلاحيات لا تمس بالأمن القومي" لبلاد عاثت فيها الطائفية والمناطقية والمحاصصة والمحسوبية الدمار حتى نخرتها وما بقي منها سوى هيكل قائم بأمل وايمان اللبنانيين، أو من بقي منهم بلا تأشيرة هجرة... تحدت جبابرة "كارتيل النفط والغاز"... استقدمت العروض للشركات، واستعادت للدولة حقها المسلوب منذ عشرات السنين باستيراد المازوت والبنزين والغاز، وتابعت ملفات استخراجها من "بلوكات لبنان"... فقامت "قيامة المتضررين" ولم تقعد.... اضربوا لأيام وأذلوا اللبنانيين، الا ان الوزيرة واجهتهم ايمانا أن"الحق سينتصر ولو بعد حين".... ما زال التقنين قاسياً في التيار الكهربائي.... ما زال اللبناني يعيش تحت رحمة "مافيا المولدات" ولكن.... "ندى بستاني" أنارت شمعة في عتمة "كهرباء لبنان" ولم تكتف بلعنها كما فعل من سبقوها....

ليس الوقت وقت بكاء على الاطلال فعلاً... بل الوقت اليوم هو للعمل والعمل الكثير في حكومة أقل ما يقال في جسيم مهامها والتحديات الملقاة على عاتقها أنها "حكومة فدائية".... نأمل أن يضطلع الوزراء الحاليون بخير نماذج عن وزراء سابقين لا سيئهم، وأن يوقنوا ان شعبهم سيقدر تقديمات كل وزير.... فصالح أعمال الوزير جبق والوزيرة بستاني لن يضيع مع طالح غيرهم من وزراء ومسؤولين لن ترحمهم كتب التاريخ ان كتبت يوماً ولا السنة ذاكرة اللبنانيين.... ولكي لا يضيع الصالح بعزاء الطالح، كل التقدير للوزير وللوزيرة على ما استطاعا أن يقدماه في حقول ألغام المحاصصة البغيضة في الحكومة السابقة وعلى ما منعتهم "اسباب قاهرة عنه"، على أمل أن لا تبعدهم وطنيتهم عن قضايا الشأن العام التي تابعوها بعدهم عن كرسي المسؤولية... !!

المصدر : عبير محفوظ