زيادة الأسعار خارج بيروت لامست حدود الـ60 في المئة لبعض السلع
في وقت صار الحدّ الأدنى للأجور يساوي 270 دولاراً – على مقاس السعر الجديد للصرف – انخفضت القدرة الشرائية للناس بحدود 60% وانفلشت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية 40% «زيادة» عمّا كانت عليه قبل الأزمة الحالية. هكذا، اختلّت الموازين في حياة اللبنانيين الذين يجدون أنفسهم أمام مشقّة تحصيل لقمة عيشهم التي يتحكّم بها التجار، فيما تقف الدولة عاجزة إلا عن إصدار «الضبوطة» التي لا تفكّ أزمة
لا مؤشرات أسعار قادرة، اليوم، على رصد دقيق لأسعار المواد الاستهلاكية. في كل يوم ثمّة سعر جديد لكل سلعة، وهو غالباً ما يتحرك صعوداً. ما تفعله المؤشرات اليوم هو تقدير تلك الحركة التي تشهد تقلباتٍ سريعة في أسعار المواد، وحتى بين منطقةٍ وأخرى. فما كان عليه، مثلاً، سعر «العدس» أمس، لن يكون ذاته اليوم ولا غداً.
آخر الأرقام التقديرية لما وصلت إليه «بورصة» أسعار المواد الاستهلاكية هو ما أعلنته، قبل يومين، جمعية حماية المستهلك. بصيغة التحذير، أشارت الجمعية إلى أن ارتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية «تجاوز الـ40% خلال الأشهر الثلاثة الماضية»، وهو ما يحصل «للمرة الأولى في تاريخ لبنان، ويُعدّ المظهر الأكثر حدّة اليوم». واستندت الجمعية في الوصول إلى هذه النتيجة إلى «الجولات المتكرّرة على المتاجر كل عشرة أيام وعلى مدى ثلاثة أشهر»، بحسب رئيسها زهير برو، «ومراقبة أسعار 140 سلعة أساسية موجودة في 10 متاجر». يستثني برو من تلك الجولات «ما يجري في المناطق البعيدة حيث الأسعار أعلى مما هي في بيروت، ووصلت الزيادة على الأسعار فيها إلى حدود 60% بسبب استغلال التجار للناس هناك». ملاحظة أخرى رصدتها الجمعية، وهي «التلاعب بسعر السلعة الواحدة بين متجرٍ وآخر، ففي حين سجّلت زيادة على سلعة معينة في متجر 20% وصلت في متجر آخر إلى 40%».
ليست جمعية حماية المستهلك من دقّت ناقوس الخطر. من هم على تماس يومي مع تلك التقلبات أدرى بما يحصل، من المستهلكين إلى العاملين في التعاونيات والاستهلاكيات والدكاكين الصغيرة ومستوردي المواد الغذائية والاستهلاكية. وإن كانت هذه التقلبات تطاول بتداعياتها المستهلكين، في الدرجة الأولى، الذين يضطرون إلى شراء قوتهم «كل لحظة بسعر جديد»، على ما يغني الراحل جوزف صقر.
جنون الأسعار يبدو جلياً بعد جولة على التعاونيات والاستهلاكيات. بسهولة كبيرة، يمكن ملاحظة الفارق في السعر بين ما كان وما بات عليه… تبعاً لسعر صرف الدولار. يؤكد مسؤول في «تعاونيات لبنان» (تضم 47 فرعاً) أنه «في الغالب لا يبقى سعر السلعة كما هو من أسبوعٍ إلى آخر (…) بعض المنتجات ارتفع سعرها بشكلٍ كبير، خصوصاً المواد الإستهلاكية المنزلية التي زاد سعر بعضها بين 4 آلاف ليرة و6 آلاف». ويخلص إلى أن «الحديث عن زيادة بنسبة 40% ليس عبثياً، وربما لن يقف عند تلك الحدود»!
التعاونيات والاستهلاكيات الكبرى لجأت إلى «التقنين» في شراء بعض أنواع المواد، وخصوصاً تلك التي خفّ الطلب عليها بسبب غلاء أسعارها. تعمل هذه المؤسسات اليوم ضمن سياسة «الشراء بحذر»، ما يعني «أننا نشتري المواد التي تشهد إقبالاً من الناس، ونخفف أو نوقف شراء تلك التي لا طلب عليها». وثمة جانب آخر من «التقنين» له علاقة بما يفرضه التجار. إذ أن «كثيرين منهم، وخصوصاً الكبار جداً، توقفوا في فترات معينة عن تسليمنا البضائع في انتظار ما سيؤول إليه فارق سعر الصرف». بعدها عاد كثيرون منهم «لتسليمنا البضائع مع فرض مبلغ إضافي عليها وهو مبلغ فرق سعر الصرف»!
مع ذلك، يتجه هؤلاء نحو الرواية الأخرى التي تقول بأن «الكل واقع في أزمة»، وأن ما يعانيه المستهلكون وأصحاب المحال يعانيه أيضاً التجار الواقعون بين «أزمة الصناعة الوطنية التي لا تستطيع تلبية كل الاحتياجات وبين الاستيراد الذي بات يفرض علينا أعباء إضافية تتعلق بتأمين الدولارات»، يقول أحد المستوردين.
وهو ما يشير إليه نقيب مستوردي المواد الغذائية والاستهلاكية والمشروبات في لبنان، هاني بحصلي، إذ يؤكد أن «الوضع صعب على الكل». بعد ثلاثة أشهر على بدء الأزمة، يجزم بحصلي بأن الأسعار «عليت»، ويردّ ذلك إلى ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار. بسبب تلك «اللازمة»، يمكن الحديث عما آلت إليه «أحوال» 3 أصناف يتم استيرادها. الصنف الأول وهو كل «ما يتعلق بالسلع high quality، وهي تلك التي كانت ضمن مستوى معين من السعر وزادت أسعارها تلقائياً بسبب فارق العملة»، ومنها على سبيل المثال الـ «high quality chocolate» على أنواعها. هذه الأصناف «صارت قليلة نسبياً وتُستورد بطريقة أقل لأنه لم يعد هناك المال الكافي للبقاء على الكميات السابقة». أما الصنف الثاني، فيشمل كل ما له علاقة «بالمواد الاستهلاكية العادية لكل يوم، مثل الصابون والشامبو». وفي هذا المجال، يجري العمل وفق مبدأ «البدل»، اي أن «الوكيل مثلاً يطرح الأصناف ذات الجودة ولكن الأرخص لديه». يعني بدل «brand A يعمل على ترويج brand B». أما الصنف الثالث فيشمل السلع الأساسية «basic items» كالحبوب والمعلبات وغيرها من السلع الأساسية.
لا داعيَ للهلع. كل السلع ستكون متوفّرة لمن يكون قادراً على شرائها!
بسبب الأزمة، يؤكد بحصلي أن «الأعمال تراجعت والأكيد أن الحركة نازلة إلى حدود 30 إلى 40%». وينقل عن أحد العملاء الجمركيين أن «الرقم التسلسلي لبيانات التخليص الجمركي للشهر الجاري بلغ الرقم 4000، فيما وصل في الفترة نفسها من العام الماضي الى 12 ألفاً». ولئن كانت تلك الأرقام لا تخصّ استيراد وتصدير البضائع وحدها، ولكن يمكن «الاعتماد عليها كمؤشر للتدليل على التراجع».
مع ذلك، لا يجد بحصلي سبباً للهلع، مؤكداً أن «لا شيء سيُفقد من السوق، وستبقى كل البضائع متوفّرة طالما أننا قادرون ولو بإطار قليل نحطّ كاش». برأيه، «لا مجاعة»، وأن ما يحصل اليوم هو «ثورة جياع»!
لكن، ثورة الجياع، كما يسميها، قد لا تنتهي قريباً، ذلك أن ما يحصل اليوم «تجاوز إمكانيات ضبط السعر، وبات الواقع فوضى شاملة، المطلوب معها اتخاذ إجراءات استثنائية»، يقول برو. انطلاقاً من هنا، لم تعد «المضبطات» التي تقوم بها وزارة الاقتصاد ولا الجولات الميدانية تفي بالغرض، المطلوب اليوم إقرار مشروع قانون «تنظيم المنافسة» المودَع في المجلس النيابي منذ عام 2007، والذي عمل وزير الاقتصاد منصور بطيش، أخيراً، على الإستحصال على نسخة منه وتعديله وإيداعه لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيث ينام قَرير العين!