رياض سلامة تحت النيران دون متراس الحريري

منذ ان دخل رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​ الحياة السياسية في ​لبنان​ بشكل رسمي، ظهراسم حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ كشخصية مالية رئيسية لها كلمتها في ​الوضع المالي​ وسياسته واستراتيجيته. وعلى مدى 27 عاماً، تغيّر المسؤولون في المناصب الرسمية، وبقي سلامة يحظى بثقتهم، ان بشكل مباشر، او عبر "توصية" من آل الحريري ادت الى التفاف الطبقة السياسية حوله.


اليوم، ها هو حاكم مصرف لبنان يتعرض لاطلاق النار، وهو امر اعتاد عليه سابقاً، انما حالياً تختلف الظروف بعد تغيّر المعطيات والاوضاع. فالحالة الاقتصادية والمالية باتت في اسوأ وضع لها، والحملات التي تستهدفه (كما غيره من المسؤولين)، قد لا يمكن تخفيفها عبر تسويات، ناهيك عن ان الوضع المصرفي برمّته اصبح تحت المجهر ويعاني من تفلّت بالقرارات لم يشهد مثلها لبنان من قبل. وليس هناك من شكّ في انّ سلامة يشعر اليوم بسخونة الموقف بعد ان زال "متراس الحريري" الذي كان يؤمّن له حماية ضد النيران السياسية، ولو انّ المظلة الدوليّة لا تزال موجودة ولكن الثقة بها غير مطلقة لان ليس هناك ما يضمن ازالتها في اي وقت يختاره الخارج، وهو تماماً ما حصل مع رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​.

من الظلم القول ان سلامة يتحمّل وحده تردي الاوضاع في لبنان، وفي الوقت نفسه لا يمكن اعفاءه من المسؤولية كونه مهندس الاستراتيجية المالية للدولة على مدى نحو ثلاثة عقود من الزمن، وكما تقبّل المديح والثناء في السنوات السابقة، عليه اليوم ايضاً تقبّل الانتقاد والشكوك بفعل الازمة التي تضرب لبنان. من المهم الاشارة الى ان هناك من يتربّص بسلامة لتصفية حسابات معه، غير انه، في الوقت نفسه، هناك من يرى في السياسة التي انتهجها حاكم مصرف لبنان، بعض الفراغات الكبيرة ونقاط ضعف كان يجب تحسينها في سبيل تعزيز مناعة لبنان وفق الظروف التي يعيشها، واهمها موقعه الجغرافي والتطورات الاخيرة التي شهدتها المنطقة منذ العام 2011، ومعرفة ارتباط وضع البلد بالكثير من العوامل الاقليمية والدولية وفي مقدمها الحرب في ​سوريا​ وتداعياتها.

يبدو ان "النقمة" على سلامة لم تعد خجولة ولا مخفية، وفي غياب المتراس السياسي الذي كان يقف خلفه، لن يجد امامه سوى اتخاذ حلول قد تضعه في مواجهة مع ​المصارف​ وبعض المسؤولين السياسيين لينقذ نفسه، والا سيجد نفسه امام مواجهة قاسية مع الناس ومع قسم من السياسيين الذين سيعتبرون انّ الطريق باتت ممهدة امامهم للاطاحة به او التشكيك بقدراته في ظلّ هذه الظروف. وبين هذا وذاك، لا يعتقدن احد انه من السهل ايجاد شخصية تحل مكان سلامة لعاملين اساسيين: الاول ان الوضع الحالي بالغ التردي والتعقيد بحيث ان اي شخص سيتولى منصب حاكم مصرف لبنان سيعتبر انه بمثابة انتحار له في الحياة العامة، والثاني لان عليه تأمين الثقة الدولية التي لا يزال يتمتع بها الحاكم الحالي، خصوصاً في عواصم القرار. اضافة الى ذلك، ما الذي يضمن ان من سيحل مكانه سيجد التعاون المطلوب من قبل السياسيين والحزبيين كي يتخذ القرارات التي يراها مناسبة في سبيل استعادة العافية الى الوضع المالي والاقتصادي وحتى المصرفي اللبناني؟ وهل سيتم اتخاذ قرار التعيين دون اللجوء الى حسابات سياسية ومفاوضات عسيرة قد تنجح او تفشل وفق المصالح والتسويات التي عادة ما تأخذ وقتاً غير قصير من اجل الوصول الى حل لها.

وعليه، قد يبقى سلامة في منصبه خلال هذه الفترة، ولكن بات مطالباً، كما ​الحكومة الجديدة​، باتخاذ قرار يشكل "صدمة ايجابية" قد تخفف من حدة الهجوم عليه وتشكل بديلاً عن المتراس السياسي الذي فقده.