إنزال شيعي” : ٤٥ ألف مقاتل خلف خطوط كورونا

الآن، يُمكن القول أن لبنان دخل عمليًا مرحلة البدء بتفكيك “النسخة اللبنانية” من فيروس كوفيد – 19 أو مرحلة إحتوائه.

إلتزامُ الحجر الصحي شبهُ كاملٍ باستثناء مجموعاتٍ ضئيلةٍ يُعمَل على ضبطها. أرقامُ الإصاباتِ حتى الآن منطقية مقارنةً مع الدول الأخرى وعدد السكان. التفاؤل كبيرٌ لناحية أن تؤدي إجراءات الحجر إلى كبحِ عدّاد الإصابات، لكن هذا لا يعني أننا أصبحنا على برّ الآمان، فطريق الألف ميل يبدأ بخطوةٍ.
الإجراءات التي اتخذتها الدولة عبر المجلس الأعلى للدفاع تؤدي إلى ترسيخ إنطباع أننا على المسار الصحيح.

لقد نجحت الدولة في تجاوز مطب الخلاف العالق بين قرار التعبئة العامة وإعلان حالة الطوارئ عبر ابتداع مخرجٍ هو عبارة عن “نموذجٍ هجينٍ” جمع بين الحالتين يُمكن تسميته بـ”ميني طوارئ” تؤدي الغرض من فرض حظر للتجول بين الساعة 7 مساءً والخامسة فجرًا “مبطّن” تحت حجة إغلاق المؤسسات والمتاجر، فلا يعود هناك من حاجة للخروج، أما إبطال مفعول المخالفين فموضوع بعهدة القوى الأمنية التي عُمّم إليها منذ دخول القرار حيّز التنفيذ التشدّد بالتطبيق.

البيئة الشيعية لم تشذّ عن هذه القاعدة. هي التي مورس عليها “تهويل سياسي” حمل اتهامًا باستيراد “كورونا” وفق النموذج الإيراني يظهر الآن إنها البيئة الأقل إصابةً بالفيروس، وهذا نتاجُ عملية بناء الوعي لدى هذه الشريحة والذي تعزّز فور بدء ظهور الآفة على نطاقٍ أوسع ضمن البيئة اللبنانية.

لا يمكن فك إرتباط البيئة الشيعية عن منطق المواجهة. الخوض في مجالات الحروب من اختصاصها، التاريخ يشهد على حركة المقاومة ضد العدو الصهيوني والتكفيري لاحقًا والآن الكوروني، وعلى ما يظهر، البيئة الشيعية “معسكرة” دومًا ومستعدة للمبارزة.

حزب الله بصفته قيمًا ضمن بيئته استهلَّ “الحرب” بإعلانه المسبق عن إجراءاتٍ للحدِّ من التفشي حين كان الجميع تقريبًا ما زالوا يحصون أعداد الإصابات في الدول الاخرى بل كان يرد الحملات والاتهامات التي كانت توجه إليه بالاحتكام إلى مزيدٍ من الصبر وإيلاء ثقافة التحضير الأولوية القصوى والصبر فرّغ لاحقًا الكثير من الاتهامات التي اريد عبرها جرّ حزب الله إلى خندقٍ يشغله عن المهمة الأساس.

في البداية، واكبَ الحزب القادمين من الجمهورية الاسلامية الايرانية وألزمهم الحجر الصحي ثم أوكل إلى مختصين متابعة حالاتهم ضمن القرى والبلدات وتقديم المساعدة والعون لهم، نتيجة ذلك لم تظهر على الغالبية الساحقة منهم أية عوارض وبقيَ القليل منهم على القائمة والقسم الأكبر منهم شفيَ لاحقًا.



ومع دخول لبنان زمن إنتشار كورونا وحالة التعبئة العامة المعلنة من قبل الدولة، وجد حزب الله ضرورة في الإعلان عن إجراءاته لا بل تعزيزها. رئيس المجلس التنفيذي لديه السيد هاشم صفي الدين أعلن عن أكثر من 25 متطوع من حزب الله وأجهزته ومؤسساته. جيشٌ كاملٌ ومتكاملُ العداد والتجهيز حضّر للزحف إلى “الحرب على كورونا” أثبت معه حزب الله أن تمرسه في التخطيط والقدرة على إقتحام أكثر من جبهة.

مثل ذلك، إحاطة واضحة لإجراءات حزب الله. اصلاً الحزب خبير ببعث الرسائل لذا كان شديد الاهتمام بإبراز خطواته إلى العلن في وقتٍ كان خصومه يرمونه بسهام الانتقادات السياسية كان هو يخوض في التجارب.

ولوحظ، أن العين الاسرائيلية ترصده عبر الصحف ثم أن التعبئة التي حرص على الإعلان عنها بتفاصيلها اللوجستية والمادية الكاملة عنت أنه يعيش خارج مألوف العقوبات أو مفهومها أو أنه لا يتأثر بها تقريبًا، فتأهب 24 الف عنصر ووضعهم في الخدمة مع كل ما يمتلكون من معدات لا بد أن ترصد لهم كميات كافية من الأموال ما يعني أن مسلسل العقوبات ما زال منخفض التأثير أو أن الحزب ما زال ينجح في الالتفاف عليه.





يمكن الاستدلال من تفاصيل الخطة التي كان الحزب يتصرف بوحي من دون إعلان عن ذلك أن الهجوم عليه دفعه لإخراجها إلى النور تمامًا كما فعلت حركة أمل التي كانت تحيط عملها باستعانة على قضاء حوائجه بالكتمان لو أنها كانت محيدة عن تناول أي هجوم.

لدى حركة أمل تقريبًا طبيعة التجربة نفسها التي يخوض غمارها حزب الله. منذ “نعومة أظافر” الفيروس، شكلت لجنة للأزمة وإدارة الكوارث تولت مهمة إعداد إستراتيجية عامة للمواجهة كان من ضمن توصياتها إعلان حالة الجهوزية الشاملة، وفي ضوء ذلك أصدرَ الرئيس نبيه بري قرارًا بإعلان “حالة الطوارئ العامة”. وتحت شعار “حي على خير العمل” أتاح البدء باستيعاب المتطوعين الحركيين وتشكيل “غرف عمليات” في المناطق أتت ضمن الورشة الضخمة موكلاً إدارتها إلى “لجنة الأزمة”.

معلومات “ليبانون ديبايت” تشير إلى تحشيد “الحركة” زهاء الـ 20 ألف متطوّع يوزعون بين مكتب الصحة (أطباء وممرضون) والدفاع المدني وكشافة الرسالة واللجان المحلية في القرى التي تشكلت على نمط “التكافل الاجتماعي” وقد ضمت المستوصفات ومراكز الرعاية التابعة للحركة بكوادرها ومعداتها إلى الورشة. وتمتلك الحركة إلى جانب ذلك 25 مركزًا يتوزعون على كافة الاقضية بينها 6 جرى تجهيزها لاستخدام للحجر الصحي في حال توسع إنتشار كورونا، وكل ذلك منسق بالكامل مع وزارة الصحة.

وهنا لا يمكن تفويت التكامل بين حزب الله وحركة أمل لناحية التنسيق الميداني والإداري والتشارك في تولي زمام المهام وتوزيعها وإعتماد إطار إجرائي متمثل في غرفة عمليات واحدة لادارة الأزمة وهو ما رفع من قدرة المواجهة وصولاً إلى رصدِ حالاتٍ محدودة ضمن البيئة الجنوبية كما البقاعية إضافة إلى الضاحية الجنوبية.

في المقابل وإذا كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يقدم إستراتيجية مشابهة لتلك المعتمدة لدى حزب الله وأمل فإن غيره تولى تسويق الترهات والدعايات الفارغة لإخفاء معالم فشله ولم يفلح إلا في كيل الإتهامات وممارسة “التنقير” على وزارة الصحة مقابل ممارسة التسويق لنفسه معتمدًا ثقافة الحملات الاعلامية لتغطية عمليات تعقيم شوارعٍ أو تقديم المساعدات المزينة بالشعارات الحزبية في ظل “فيدرالية” ظهرت إلى العلن وكشفت وقاحة بعض التصرفات.

ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح