بطاقة “صفراء”.. تفاجئ تل أبيب!!

وجهت “إسرائيل” رسالة نارية استهدفت سيارة تقل مجموعة من شباب حزب الله، على الاراضي السورية، من دون أن تؤدي إلى سقوط خسائر بشرية. تلاها ثلاث حوادث أمنية “صامتة” استهدفت السياج الحدودي مع فلسطين المحتلة، وصفها جيش الاحتلال على أنها “خطيرة جداً”. فما هي الرسائل التي هدف العدو ايصالها، وكيف قدَّر رسائل خرق السياج الحدودي؟



شكَّل الاعتداء الإسرائيلي الأخير امتداداً لسياسته العدوانية على الساحة السورية. وبغض النظر عن العديد من الاسئلة التي يمكن طرحها حول استهداف العدو من الناحية العسكرية، الواضح أنه يندرج ضمن اطار “المعركة بين الحروب”، المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات. مع ذلك، فقد مرت الاستراتيجية التي ينفذها العدو بعدة مراحل، استندت في كل منها إلى رهانات وتقديرات تتصل بالظروف التي تكون سائدة، وتمحورت حول أهداف حدَّدتها قيادة العدو بما يتلاءم مع طبيعة ومستوى التهديدات التي تُقدِّرها.

انطوى الاعتداء ايضا على رسالة مفادها أن “إسرائيل” في ظل انتشار كورونا، داخلها، سوف تواصل استراتيجيتها العدوانية ضد أطراف محور المقاومة بشكل عام، وحزب الله بشكل خاص. وهو بذلك أراد القول أن أي مستجدات وتداعيات متصلة بهذا المسار الصحي والاقتصادي لن يكون على حساب مواجهة ما ترى أنه تهديداً لها في بيئتها الاقليمية.

على ما يبدو أراد العدو أن يوحي بأنه على استعداد للمغامرة باستهداف نشطاء حزب الله ايضاً. فعمد للارتقاء في أسلوب توجيه الرسالة، بهدف اضفاء مزيد من الجدية والمصداقية عليها. على أمل أن يساهم ذلك في رفع منسوب القلق لدى حزب الله بما يؤسِّس لإحداث تغييرات ما، في المعادلة القائمة.



لماذا تجدَّد الرهان لدى العدو في هذه المرحلة بالذات؟

استند العدو في خياره العدواني الذي انتهجه منذ مطلع العام 2013 على الاراضي السورية، استنادا إلى تقدير مفاده أنه في ظل مواجهة التهديد التكفيري، ليس من مصلحة النظام السوري، ولا حلفائه في محور المقاومة فتح جبهة ثانية بشكل مواز. ثم استمر هذا المفهوم كركيزة أساسية في استمرار الاعتداء… وصولا إلى المرحلة الحالية التي تداخلت فيها مجموعة من العوامل والاعتبارات.

قبل انتشار فيروس كورونا، كان العدو يراهن على أنه ليس من استراتيجية محور المقاومة الرد على هذا المستوى من الضربات، انطلاقا من ترتيب مُحدَّد للأولويات في هذه المرحلة، ونتيجة تقديرات مُحدَّدة ازاء تداعيات هذا المسار الذي قد ينتج عن تبادل الرسائل النارية. المفهوم نفسه حضر لدى قيادة العدو الأمر الذي ألزمه بالانضباط تحت سقف من القيود تفادياً لسيناريو يؤدي إلى مواجهة عسكرية لا يريدها في هذه المرحلة، على الأقل.



بعد انتشار الفيروس، تعمَّق هذا المفهوم لدى مؤسسة القرار السياسي والامني، ويبدو أنهم يُقدِّرون بأن حزب الله قد أصبح أكثر حرصاً على تجنب مواجهة عسكرية في ظل ما يعانيه لبنان على المستويين الاقتصادي والصحي. وهو ما قد يمنحهم هامشاً أوسع من المبادرة بهدف رفع مستوى الاستهداف، على أمل أن يساهم تفاقم الوضع الاقتصادي والصحي، المحلي والاقليمي، في كبح حزب الله ودفعه للتسليم بالمعادلة التي يهدف العدو إلى فرضها.

مع ذلك، يبدو أن العدو خلص ايضا إلى نتيجة مفصلية تنطوي على اقرار بأن كل الرهانات العملانية والاقليمية والاقتصادية، لم تنجح في كبح المسار التصاعدي لمحور المقاومة ولحزب الله تحديداً. الأمر الذي دفعه لمحاولة الارتقاء في خياراته العملانية، أو التأسيس لذلك.

رغم ذلك، بدا جلياً أن العدو حرص على تجنب الحاق اصابات بشرية. ويعود ذلك إلى ادراكه بأن أي حماقة في هذا المجال ستؤدي إلى رد حتمي من قبل حزب الله. وتفادياً لهذا السيناريو كان حرصه على عدم الحاق خسائر بشرية، على أن يُبنى لاحقاً على الشيء مقتضاه. وهو ما لفت اليه بشكل صريح معلق الشؤون الامنية في موقع “يديعوت احرونوت”، رون بن يشاي، مؤكداً أنه “كان واضحا لمتخذي القرارات في “إسرائيل” أن تصفية ناشط ومسؤول في حزب الله سيتسبب بتصعيد كبير. حيث كان من الواضح أن حزب الله سيرد، وهذا ما يتعارض حاليا مع مصلحة إسرائيل”. المفهوم نفسه ينسحب على كون الاعتداء تم تنفيذه على الاراضي السورية. انطلاقا من المعادلة التي تمت بلورتها خلال السنوات الماضية، وتم فيها حماية الساحة اللبنانية بمعادلات تختلف عن الساحة الاقليمية. وإلا فلقد كان بإمكان العدو انتظار عبور السيارة إلى الاراضي اللبنانية، ومن ثم استهدافها وبدون دماء، وهكذا تكون الرسالة أبلغ دلالة، وأشد ايقاعاً، وتُظهر تصميماً أشد لدى قادة العدو. لكن حرصه على توجيه الرسالة في الاراضي السورية عكس مخاوفه من أن ذلك سيدفع حزب الله للرد. انطلافا من ذلك، يبدو أن ما جرى على الحدود جسَّد مستوى من المفاجأة بالنسبة لمؤسسة القرار الاسرائيلي، باعتبار أنه بموجب عدم سقوط شهداء فإنها ستكون في أمان من أي رد. لكن حادثة السياج أربكت حساباتها، وفتحت أمامها مروحة احتمالات مفتوحة على أكثر من سيناريو سوف يُعزز لديهم منسوب القلق المهني.

رسائل اختراق السياج الحدودي

حتى لحظة كتابة المقالة لم يكن حزب الله قد أصدر أي بيان حول ما شهدته الحدود مع فلسطين المحتلة، مع ذلك، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تتصل بالرسائل التي انطوت عليها الحادثة على الأقل كما حضرت، ويُقدَّر أن تحضر لدى قادة العدو.

لم يتردد العدو في الربط بين الحدثين، بفعل التعاقب بينهما، ولكون عمليات تمزيق السياج تمت في أكثر من نقطة، وبتكتيك مُبدِع كشف عن مستوى من الاحتراف والمهنية والابداع. حيث لم تستطع اجهزة الاستشعار في كشف الشباب الذين تجاوزو كل اجراءات الحماية والرقابة. وهو ما أقرت به قناة “كان” في التلفزيون الإسرائيلي، التي لفتت إلى أن “كل الخط الحدودي مكتظ بالكثير من وسائل المراقبة والدفاع، وحقيقة أن هذه الخلايا وصلت إلى السياج وفتحت ثغرات تشير إلى احتراف عالي في التنفيذ، وربما معلومات جمعوها تمهيدا لفتح هذه الثغرات”.

رأى العدو في سلسلة عمليات خرق السياج، تجسيداً للقدرة على اختراق الحدود، اذا ما تطلب الامر ذلك، خاصة وأنها بحسب موقع “Israel defense”، من أكثر “الحدود التكنولوجية” بالنسبة لـ”إسرائيل”، وهو ما يمنح المقاومة ـ بنظر مؤسسة القرار السياسي والامني في تل أبيب ـ المزيد من الاوراق لمواجهة أي خيارات عدوانية تتطلب هذا المستوى من الردود.

فهِم العدو من حادثة الحدود، أن هذا المستوى من الرسائل العدوانية في سوريا، سيُقابل بما يناسبه من ردود. ويمكن القول أن أغلب المعلقين والخبراء الذين تناولوا حادثة السياج الحدودي، أقروا بهذا المعادلة وعكسوا حضورها كما ينبغي لدى قادة العدو. ومن أبرز من لفت إلى ذلك، المعلق العسكري لـ”القناة 13″، “الون بن ديفيد”، بالقول أن “من وصل إلى السياج وفتح ثغرات في ثلاثة أماكن يقول لـ”إسرائيل” انا اعرف كيف اصل إلى الحدود، لن تروني وأفتح ثغرات في السياج ساعة أشاء”. مشيرا إلى أن “نقاط مراقبة الجيش الإسرائيلي لم ترى عناصر حزب الله يقتربون” من السياج. ووصف بن ديفيد هذه الرسالة بأنها كانت قاسية جدا ولذلك يُقدَّر أن تنعكس “على مواصلة عمل الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله، سواء في سوريا أو في لبنان”.

في ضوء ما تقدم، لم يكن توصيف المؤسستين السياسية والامنية لحادثة السياج على أنها “خطيرة جدا”، إلا تعبيراً عن ادراكهم للرسائل التي انطوت عليها، وكونها تفرض المزيد من القيود على أي خيارات عدوانية يتم تدارسها أو التوثب لتنفيذها. وبلغة المعلقين الإسرائيليين فقد كانت رسالة الحدود مدوية في دلالتها، في المكان والزمان والتكتيك، وفي كونها مؤشر لما ينتظر كيان العدو مه أثمان تتجاوز ما كان يُقدِّره، في مواجهة أي محاولة من قبله لاستغلال ما يتوهمه على أنه فرصة مستجدة تسمح له بفرض معادلات يوسِّع من خلالها مبادراته العدوانية.

وبلغة أكثر صراحة، أدركت “إسرائيل” أنها تعرضت لبطاقة صفراء، موجهة تحديداً إلى صانع القرار في تل أبيب، وستخضع لمزيد من الدراسة والتقدير. وأياً كانت السيناريوهات التي ستلي، فقد تحولَّت حادثة السياج الى محطة بارزة في سياق الحرب الأمنية، التي تجري بين حزب الله وكيان العدو، المتعددة المسارات والساحات، والأكثر تعقيداً على مستوى الاساليب والتكتيكات. وما حصل في الأيام الماضية لم يكن سوى تظهير لجزء بسيط منها، وإن ارتقى مستوى ظهورها، لكن ذلك تم بشكل مضبوط وبما لا يؤدي إلى تدحرج لمواجهة عسكرية لا يريدها الطرفان في المرحلة الحالية، على الأقل.