شكاوى من ارتفاع الأسعار في صيدا: "ما معي مصاري... بدي جيب بس أكل"

رغم كل شيء، "الكورونا"، الجوع والفقر المُدقع، وأصوات وجع الناس من الغلاء وارتفاع الاسعار، يبقى لشهر رمضان المبارك في احياء صيدا وحاراتها القديمة، نكهة خاصة. غابت الزينة وأقفلت المقاهي الشعبية والمساجد أبوابها، وعلقت صلاة التروايح بعد الجمعة والجماعة، ولكن "المسحّراتي" حافظ على حضوره، وبقي ظلّه خفيف الحركة، كثير التنقّل بين منتصف الليل وحتى ساعات الفجر الأولى، مُنادياً بعبارته الشهيرة: "اصح يا نايم.. وحد الدايم.. رمضان كريم".
المسحّراتي محمود فناس، الذي قرّر السير على خطى والده محمد فناس، الذي رحل في العام 2018 وكان آخر من تبقّى من الرعيل الأول من المسحراتية في لبنان، يقول: "أُكمل مسيرته اليوم، لقد ترك لي تراثاً سأحافظ عليه وعلى مهنة المسحّراتي كي لا تنقرض، خصوصاً في ظلّ تزايد ظاهرة المسحراتية غير التقليديين، أي الذين يتنقّلون بسياراتهم او على متن دراجاتهم، ويبثّون الأناشيد المسجّلة عبر مكبّرات الصوت، بينما المسحر الحقيقي هو الذي يتنقّل سيراً على قدميه، ويستخدم حنجرته وطبلته وأناشيده الدينية وأدعيته، ويُردّدها بصوته، ويخلق اجواء رمضانية روحية وتراثية، يتفاعل معها الكبار والصغار".
ويضيف محمود انها السنة الثالثة التي يخرج فيها كمسحّر في رمضان، وانه كلّف من دار الافتاء التي حدّدت له الأحياء المحيطة بوسط المدينة، للقيام بهذه المهمة فيها كل ليلة من ليالي شهر الصيام"، ويوضح:"أشعر هذا العام بالحزن بسبب وباء كورونا وتردّي الوضع المعيشي والاقتصادي لعامة الناس، والمساجد مُقفلة وأجواء البهجة غابت عن وجوه الأطفال وكبار السن".
مشاهد حية
خارج أسوار المدينة القديمة، بدأت حياة الناس تُنظّم تدريجياً، في المرحلة الثانية من خطة تخفيف التعبئة العامة وحال الطوارئ الصحية التي جرى تمديدها، وتشقّ طريقها ببطء شديد. وفي جولة ميدانية لـ "نداء الوطن"، يُمكن رصد ان حركة البيع والشراء شبه معدومة، اذ اقفلت السوق التجارية وفق الجدول الزمني المسموح به، مقابل فتح أبواب بعض أصحاب المهن الحرة والمؤسسات التجارية والاستهلاكية، وقد انشغل الناس بتأمين أولوياتهم من الطعام والشراب. ويقول ابو ابراهيم العكاري، الذي يملك محلاً لبيع الحلويات لـ"نداء الوطن": "حركة البيع تراجعت بشكل لافت، كنا في رمضان لا نهدأ، اليوم الطرقات خالية، الخوف من تفشّي "كورونا" ليس السبب فقط، وانما انعدام السيولة عند الناس والتي زادتها مصيبة الفيروس"، مُتحدّثاً عن حكايات لا يمكن وصفها او نسيانها، ومنها ان امراة تصرخ على اولادها وتقول "ما معي مصاري، بدي جيب بس أكل، يعني الضروري"، هذا يُنذر بكارثة اجتماعية لم يشهدها لبنان من قبل".
ازدحام من دون تقيّد
وشهدت شوارع المدينة زحمة سير، لا سيما في شارع رياض الصلح، حيث تتواجد معظم المصارف ومحال الصيرفة، بسبب رغبة المودعين بسحب أموالهم من الدولار بالليرة اللبنانية بعد صرفه على سعر 3000 ليرة لبنانية، ما يعني حثهم على استبدال اموالهم بالليرة اللبنانية مع حوافز وهمية - سعر الصرف الجديد، فيما هي قوننة وتتفاوت نسب السماح بقيمة الصرف وفق حساب المودع نفسه، فيما الازحام امام ماكينات الصرف الآلي سببه اقبال الموظفين على سحب رواتبهم الشهرية، من دون تقيد غالبية زبائن المصارف بتدابير الوقاية من الفيروس. ويؤكد محمد عرابي لـ"نداء الوطن" ان "الناس لا تفكّر الا بلقمة عيشها، وتتخوّف على مصيرها القاتم والمجهول، مع استمرار الانهيار المالي والأزمة الاقتصادية الخانقة ووقوف الدولة موقف المتفرّج، قراراتها حبر على ورق من دون تنفيذ، نريد أبسط حقوقنا: العيش بكرامة، استرداد اموالنا من المصارف وتلك المنهوبة، وقف الفساد ومحاسبة المرتكبين، هناك غياب لأي خطة واضحة من السلطة للخروج من المأزق بالرغم من كل الحراك الاحتجاجي".اعتصام وموقف
وعلى وقع القلق، تتواصل التحركات الاحتجاجية، ويحرص"التنظيم الشعبي الناصري" على سلميتها بعد أحداث الشغب التي شهدتها المدينة أخيراً وطاولت أملاكاً عامة وخاصة، واستُخدمت فيها للمرة الاولى قنابل "المولوتوف".
ونظّم اعتصاماً في ساحة "نزلة صيدون" لمواجهة غلاء الاسعار وانهيار قيمة الليرة الشرائية، ورفضاً لسياسات الإفقار والتجويع، تحت شعار "ليكن صوتنا عالياً ليصل الى كل المسؤولين"، هو الثالث في اقلّ من اسبوع، الأول في ساحة النجمة والثاني في منطقة القياعة وبمشاركة شخصية من الأمين العام للتنظيم النائب اسامة سعد، الذي طالب السلطة بمعالجة انهيار الليرة والانفلات الجنوني للأسعار تداركاً لتفاقم الانفجار الاجتماعي، قائلاً للسلطة: "عندما لا تؤمّنون العيش الكريم للناس وتتركون الاوضاع للفوضى، تكونون بذلك تشرّعون كل اشكال الانفلات. لقد اوصلتمونا بسياساتكم الى الانهيار المالي والانفجار الاجتماعي ولا نريد الوصول الى الانهيار الأمني". وفي موقف عالي النبرة، دعا الدكتورعبد الرحمن البزري "اللبنانيين إلى تنظيم صفوفهم للقيام بثورة حقيقية في وجه المسؤولين عن إنهيار البلاد وإفلاس الشعب اللبناني وسرقته العلنية"، مشدداً على أن كل من شارك في السلطة هو مسؤول عمّا يحدث وهو شريك بإفلاس البلاد وخرابها"، مؤكداً أن ما حدث في لبنان هو سابقة تاريخية لم تشهدها دول، حيث أن السلطة السياسية تمكّنت من سرقة المواطنين ونهب خيراتهم، وما زالت متربّعة على عرشها، بعيداً من أي محاسبة، لا بل تعمل على إصدار قوانين تدّعي من خلالها إصلاح الواقع الحالي في حين أنها تعمل على تغطية سرقاتها ومخالفاتها".